مقالات

عين علي الحقيقة ..!

الجميل الفاضل يكتب … فلتكن الخرطوم ما شاءت؟!

حين سحب الآتون من بعيد ظلالهم عنها، صارت الخرطوم مدينة أشباح، أو مذبحا لسفاح يتراقص جزلا برؤوس جزها، تقطر مديته من دمها دما، لطخ به صدرها العاري، قبل أن يكبر الله في جنباتها، إيذانا بعودة المجد لدينه الدموي علي ثراها.

وللحقيقة فإن أشرارا قد أراقوا علي قارعة طريق هذه الحرب ماء وجه الخرطوم، الذي لم يتركوا عليه مزعة لحم صغيرة، تنهشها كلابها، التي ظلت تنهش كل ما تبقي من لحم علي عظام قتلاها بطرقاتها المغفرة الموحشة.

وللمفارقة، فإن الخرطوم قد صارت مدينة بيوتها مقابرها، ومقابرها مخازن سلاح أو خنادق قتال، أقلق الاحياء فيها مراقد الأموات، مهما كانت هي في برزخها، رياض جنة، أو حفر نار.

بيد أنها مدينة رغم أساها فإنها لا تبكي بما يكفي من دموع، إذ لم يعد في مآقيها التي تيبست وتحجرت أصلا دموع.

فالخرطوم مدينة ظلمها ذوو قرباها، الذين مرقوا أنفها الشامخ بين المدائن والعواصم في الرغام قبل أن يظلمها سواهم.

لكن المدهش انها برغم ظلمها وأساها، قد فاق صبرها علي كل هذا الأذي، صبر أيوب.

لقد درجت هذه العاصمة الرحيمة دائما، علي أن تكظم غيظها، وأن تعفو عمن ظلمها، وأن تسامح بنبل الكبار من عاداها، هكذا كان هو ديدنها منذ أن كانت معبدا مقدسا، قبل أن تصبح مسكنا مترامي الأطراف.

لكن تري هل آن للخرطوم اليوم أن تشهر لاءاتها المتمردة، وبطاقاتها الحمراء والصفراء والغبراء، بوجه كل من خان أمانتها، ومن سلبها أمانها، فأقلق نومها، وبدد شمل اهلها، ثم نزع عنها أثواب سترها فعراها لتبدو سواءتها للناس.

فقد أستعار يائس هنا قول شاعر بقوله: “لتكن الخرطوم ما شاءت، فهذا دمنا العالي لها، حائط يبعدني من شجني”.

علي أية حال، فأي شجن هذا الذي يغزونا من بعيد، إذ يقول ماركو روبيو وزير الخارجية الأمريكي: إنّه «منخرط» في الشأن السوداني، مشيرا إلى أنّه ناقش هذه المسألة في الأيام الأخيرة مع أطراف دولية، من بينهم الرئيس الكيني وليام روتو، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

وأضاف روبيو: «نحن قلقون للغاية من أن نعود إلى ما كنّا عليه قبل عقد من الزمن أو أقلّ».

وبالطبع فاللبيب بالاشارة يفهم.

ولذا أعتقد أن السودانيين الآن أحوج ما يكونون لعدسات مكبرة قليلا، لكي يروا الأشياء أوضح، وأعمق، وأشمل، وأصدق، وأكمل.

فإن ما يجري اليوم حول السودان وفيه وما بين أهله، أعقد بكثير من النظر إلي سطح الأحداث الجارية علي أرضه، منذ ان إندلعت ثورة شعبية، سلمية، في اخريات العام (2018)، عجزت عن إستكمال الأشراط الضرورية اللازمة لتحقيق كامل أهدافها في التغيير، وإلي أن قادت تفاعلات هذا الواقع المحتقن الذي أوجدته هذه الثورة، الي تطور في الصراع بين قواها الحية، وقوي الثورة المضادة لها، التي ظلت تقاوم بشتى السبل والوسائل في الخفاء وفي العلن، أية محاولات لاستكمال غايات هذه الثورة المباركة.

المهم فقد أدي تطور هذا الصراع المكتوم تلقائيا الي إنفجار هذه الأوضاع في صورة صراع دموي عنيف في العام (2023) اتخذ طابع الحرب.

هي حرب تحيلني ربما لما قال يوما شاعرنا الراحل محمد الحسن سالم “حميد”، قبل أن نصير الي ما صرنا إليه في هذه اللحظة، يقول حميد:

“أي عوج مبدي ومختوم

صوتنا هناك، وهنا، مكتوم

وما في فرق في الَوَكت الراهن

بين واشنطن والخرطوم

أنا مأزوم، مأزوم، مأزوم.

يا خرطوم وينك، وينك،

يا خرطوم شن شب وقلبك،

وسلبك بجتك، نوبتك،

عربك، زنجك، حلبك.

أنا مأزوم، مأزوم، مأزوم.

يا خرطوم أزمني الصلبك

فوق الطلحة الأمريكية

يا خرطوم، خرطوم، خرطوم.

أوه خرطوم،

واشنطوم،

طم طم،

طوم.

لفتك، فجرا يطلع يقطع رحطك”.

إنه “حميد” الذي يقول أيضا:

“وياتو مطرتًا سوّت شَو

فرقوا غيما الامريكان

وياتو رصاص ما عقبو خلاص”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى