مقالات
عروة الصادق يكتب .. مصر بين لعنة الأنانية وجناية الحياد المدمر

● في عالم تتصارع فيه الأمم على كسب لحظة إنقاذ واحدة، يظهر من بين ركام الحياد من يتقن فن الإفساد بلا مقابل، من يرفض الخير ما لم يكن مغلفًا بفاتورة تقبض باليد، من يضع شروط الفائدة الذاتية حتى في لحظات الاحتضار الإقليمي، ذلك الدور الذي باتت مصر تجيده بامتياز، وتصدره كأنّه سلعة استنزاف في أسواق الدبلوماسية.
- ما حدث في مؤتمر لندن بشأن السودان ليس فشلًا عابرًا، بل نتيجة طبيعية لنهج مصري بات سافرًا: لا سلام بلا ثمن، ولا شراكة بلا خضوع. رفضت دول عربية – ومن بينها مصر – التوقيع على بيان يهدف إلى تسهيل جهود وقف الحرب في السودان. لماذا؟ لأن البيان لم يُطْبع برائحة العائد السياسي المباشر، أو ربما لم يتضمن مفاتيح السيطرة في مستقبل اللعبة.
- مصر التي كانت يومًا عمود خيمة العرب، أصبحت حجر عثرة على طريق كل مبادرة لا تعود عليها بالريع الفوري. لا مبادئ في السياسة المصرية المعاصرة، بل منطق مزايدة خاسرة: “إما أنا أو لا سلام”. هذه ليست حكمة براغماتية، بل نكوص إلى فلسفة السوق في وقت الموت.
- إن خطورة هذا الدور المصري لا تكمن فقط في تأثيره على مسار الحلول، بل في عدواه الأخلاقية: دولٌ بدأت تتعلّم من القاهرة أن الصمت المدفوع خير من الانخراط المجاني، وأن التخريب المحسوب أفضل من البناء الخاسر.
- هذه ليست دعوة لمحاكمة النوايا، بل لتحذير جريء من مسار عبثي يتخذ من الواقعية ستارًا، ومن الانتهازية أسلوبًا. فمصر، في تعاملها مع القضية السودانية، لم تُبدِ حتى حيادًا بناءً، بل ساهمت في تمييع البيان، وتغذية الفراغ، وتكريس استمرار الحرب… فقط لأنها لم تكن صانعة النص.
- كم يحتاج العرب من وقت ليفهموا أن السكون عن هذا المسار المصري سيجعل من الخراب عادة، ومن الحرب حرفة، ومن الفوضى عقيدة دبلوماسية؟!
● ختامًا: السودان لا يحتاج إلى وسطاء مشروطين، بل إلى دول تؤمن أن الاستقرار قيمة جماعية، لا مكسبًا فرديًا. فليُقالها بصوت واضح: إن استمرار القاهرة في هذا الدور يُعد تهديدًا استراتيجيًا، لا أقل، يجب وقفه لا مجاراته.
عروة الصادق
orwaalsadig@gmail.com