مقالات

عروة الصادق يكتب.. النظرية الشعورية السياسية تأصيل لوعي جمهوري بديل في السودان – الحلقة الثانية – (2)

النظرية الشعورية السياسية تأصيل لوعي جمهوري بديل في السودان 2

ما بعد الخرائط – ولادة النظرية من الهامش

نظريةٌ ترفض أن تكون حاشيةً في كتابِ الآخرين

عروة الصادق
Orwaalsadig@gmail.com

أولًا: الوطن ليس خطًا أحمرَ على ورقٍ… بل أثر دمٍ على تراب.
لم يكن السودان يومًا سؤالَ حدود، بل كان دومًا نداءَ جراحٍ لا تعرف الجغرافيا.


لكن السلطة، مذ تشكّلت، حوّلته إلى:

  • مشروع مسحٍ جويّ، حيث تُختزل الحياة إلى نِقاط صامتة.
  • مخطَّط إداري، يُقسّم البشر كما تُقسَّم الأراضي القاحلة.
  • سردية مغلقة، لا يُسمع فيها إلا صدى الصوت الذي يملك ترخيص المعنى.

في الفجوة بين “السودان الورقي” و”السودان الوجداني”، وُلدت النظرية الشعورية.
“لا نُريد وطنًا يُقاس بالمساحة، بل بوحدة الدمع حين يُقتل ابن الجار، سواء كان في الدويم أو في كتم”.

ثانيًا: المركز ليس مكانًا… بل وهم التعريف
كل نظريات الدولة في السودان انطلقت من مسلّمة سامة:
أن المركز يملك حق النطق باسم الوطن، وأن الهامش عليه أن ينتظر المصافحة.


لكن الحقيقة أعمق:

  • المركز وهم، صيغ في مكاتب استعمارية، وأُعيد تدويره بتوقيعات محلية.
  • الهامش ليس جهة، بل حالة شعورية لكل من سُئل: “من أي سودان أنت؟”، وكأن هناك أكثر من وطن واحد.

النظرية الشعورية تقلب المشهد:


“المركز الحقيقي هو حيث يُولد الألم، وحيث يُروى.
والخريطة تُرسم من مواقع البكاء، لا من مكاتب السلطة”.

ثالثًا: الهوية ليست جواز سفر… بل جرح نتحمّله معًا
طالما حُوصِر السودانيون بأسئلة لا تُنتج سوى عزلة مضاعفة:
“هل أنت عربي أم أفريقي؟”
“هل أنت ابن النهر أم ابن الجبل؟”
“هل لغتك عربية فصحى، أم لهجة يلزمها التهذيب؟”
النظرية الشعورية ترفض هذه المقايضة الرمزية، وتُعيد تعريف الهوية كندبة، لا كلون:
“الهوية ليست بطاقة تعريف، بل هي الندبة التي تظهر حين يُذكر اسم كرري أو الجنينة أو تلودي أو كلوقي أو الليري أو دِبلا أو بدين .
أنت سوداني، لأنك تتألم لموت غريب لم تره، فقط لأن دمه يُشبه دمك”.

رابعًا: السياسة ليست لعبة النخب… بل لُغة المهمَّش حين يحزن
كل النظريات السياسية التي مرّت على السودان فشلت لأنها:
بنت دولًا ولم تسأل الناس عن وجوههم.
شيّدت مؤسسات ولم تتوقف لحظة لتُصغي إلى النشيج المنسي في المخيمات.
النظرية الشعورية تُعيد السياسة إلى أصلها، لا كإدارة للموارد، بل كـ إنصات حقيقي للمُقصى:
“السياسة تبدأ حين يُنصت الحاكم إلى أمٍّ تبحث عن جثة ابنها.
حين يُقاس الأمن بعدد الأطفال الذين ينامون بلا فزع، لا بعدد نقاط التفتيش”.

خامسًا: كيف نرسم وطنًا بلا خرائط؟


البديل ليس فوضى، بل إعادة ترتيب للقيم:
خرائط الوجع المشترك: تُرسم بخطّ الشهيد، لا قلم الجغرافيا.
دستور يُقرأ من الأسفل: حيث الكلمة الأولى تقول “أنا لم أُسأل”، وليس “نحن الشعب”.
سلطة تُعاد صياغتها: لا كتوزيع حصص، بل كاسترداد حق في الحُلم.


هكذا نكتب وطنًا، لا يبدأ من العاصمة، بل من التنهيدة التي يطلقها طفلٌ لا يعرف أين ينام غدًا.


ختامًا: هذه ليست نظرية… بل استدعاء متأخر للأمل
نحن لا نُحذّر من انهيار الدولة، بل من انهيار فكرة السودان ذاتها.
الوطن لا يموت حين تنكسر حدوده، بل حين لا يعود أحدٌ راغبًا في أن ينتمي إليه.
“الآن،
إمّا أن نُعيد اكتشاف السودان من خلال دموع كل سوداني،
أو نُسلّم بأننا لسنا وطنًا مؤجَّلًا… بل مجرد أرشيف استعمارٍ داخليٍّ لم يُفتَح بعد”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى