مقالات

عروة الصادق يكتب.. النظرية الشعورية السياسية – تأصيل لوعي جمهوري بديل في السودان – الحلقة الثالثة – (3)

النظرية الشعورية السياسية- تأصيل لوعي جمهوري بديل في السودان 3

مقومات الوجود الشعوري كمحدد للانتماء

كيف يصبح الألم وثيقة؟ وكيف يتحوّل الحنين إلى جنسية؟
عروة الصادق
orwaalsadig@gmail.com

مقدمة: الانتماء الذي لا يُختزل إلى حبر
في السودان، حيث تحوّل “المواطن” إلى رقم في سجل، أو صوت في ورقة اقتراع، نطرح سؤالًا يُربك الآلة :
ماذا لو كان الانتماء يُقاس بالدمع لا بالدم؟


بالهزّة التي تسكن قلب الأم حين تُذكر “الجنينة”، لا بسجلات الحضور في “الخرطوم”.
هنا، لا نُهاجم الوثائق، بل نُشكّك في أولويتها.
نرفض أن تكون الورقة الرسمية أصدق من شهقة الصمت حين يُفقد الوطن.

أولًا: الأثر – البصمة التي لا تُمحى


الأثر لا تسجله الدولة، بل ترويه الذاكرة الجمعية.
هو أن يُقال عنك:
هذا الطبيب الذي بقي في “الفاشر” رغم القصف.
هذه المعلمة التي شرحت بالعربية ولم تنسَ لغة الأم.
هذا الشهيد الذي نُقش اسمه على جدار المدرسة قبل أن يُكتب في الصحف.
“المواطنة تبدأ حين يُصبح وجودك قصة يتداولها الناس، لا رقمًا في ملف حكومي.”

ثانيًا: الألم – الوثيقة الوجدانية


في الجمهورية الشعورية، الألم ليس عرضًا، بل إثبات هوية.
هو أن تعرف كيف يُنطق اسم “كاودا” دون ارتباك أو سخرية،
أن تصمت تلقائيًا حين تسمع خبر مذبحة في مدينة لا تعرف جغرافيتها، أن تشعر بالذنب حين يُقال “مشاكلهم”، وكأنهم لا ينتمون لنفس الأرض.


“لا تسألني عن أوراقي. اسألني كم مرةً بكيت على من لم أره قط.”
الألم هنا لا يضعفنا، بل يُوحدنا.
يُعيد صياغة “نحن” خارج قوالب القبيلة والعرق والحزب.

ثالثًا: الأمل – الجنسية التي تُمنح للمُصرّين على البقاء


الأمل ليس تفاؤلًا ناعمًا، بل تصميمٌ وجداني على الحياة رغم الخراب.
هو أن تزرع شجرة في قرية مهجّرة،
أن تُعلّم طفلًا أن له حقًا في هذا الوطن،
أن تغني لسنّار وأنت تعلم أنها لن تسمعك، لكنك تغني لأنك لا تحتمل الصمت.
“الوطن لا يُبنى بمن يملكون الأوراق، بل بمن يملكون سببًا للبقاء.”

رابعًا: كيف تختلف الجمهورية الشعورية؟


هذه ليست مجرد مقارنة، بل انقلاب في المعادلة، حيث تُصبح الذاكرة أقوى من الإدارة، والعاطفة أسبق من القانون.

ختامًا: ليست شاعرية… بل سياسة بلغة أخرى


لسنا في مقام العاطفة المجردة، بل في قلب السياسة حين تُفكك استبدادها الرمزي.
نذكّر بأن السودان لم يُبنَ بخريطة، بل بلحظات وقف فيها الغريب مع الغريب وقال: هذا وجعي.
حين وقف النوبي إلى جانب البجاوي في مظاهرات أكتوبر.
حين حمل الجعلي جثمان الزغاوي دون أن يسأله عن قبيلته.
حين كتب شاب من الخرطوم عن حلايب وهو لم ير البحر في حياته.
“الانتماء ليس أن تكون في بيتك… بل أن تكون غريبًا وتشعر بأنك فيه.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى