عروة الصادق يكتب .. النظرية الشعورية السياسية – تأصيل لوعي جمهوري بديل في السودان – الحلقة السابعة – (7)

النظرية الشعورية السياسية - تأصيل لوعي جمهوري بديل في السودان 7
الحُلم العام كمؤسسة سياسية
عروة الصادق
orwaalsadig@gmail.com
كيف نؤسّس دولة من الخيال الجمعي؟ وكيف يصبح الأمل نظامًا؟
مقدمة: الدولة التي تُبنى بالحُلم قبل الإسمنت
في السودان، بعد انهيار المؤسسات التقليدية، لم يتبقَّ سوى مؤسسة واحدة لم تُعلنها السلطة ولم تُوقّعها القوانين:
“مؤسسة الحُلم”، التي يديرها الأمل الجمعي ويحرسها القلب الشعبي.
تحملها:
الطفلة في “دارفور” التي تتخيّل مدرسة بلا قش.
الأم في “النيل الأزرق” التي ترى في ابنها المفقود وزيرًا ذات يوم.
العامل في “بورتسودان” الذي يتخيّل البحر ساحةً للعدالة لا للتهريب.
تقول النظرية الشعورية:
“لا تصلحوا الدستور قبل أن تُصلحوا خيال الناس عن الوطن.”
أولًا: فشل الدولة التقليدية – حين صار الوطن “مشروعًا” لا “قصة”
“ما ينقص السودان ليس التمويل… بل خيال سياسي يتسع للجميع.”
ثانيًا: مؤسسة الحُلم العام – هيكل بلا جدران
كيف تعمل هذه المؤسسة؟
“بنك الأحلام”:
يوثّق رغبات الفتاة في “جبال النوبة” بأن تكون قاضية.
يُسجّل حلم العجوز في “كتم” برؤية حفيده قبل أن يُغلق عينيه.
“البرلمان التخيلي”:
يُشرّع فيه الأطفال بلعبهم،
والنساء بأغانيهن،
والمعتقلون السابقون بصمت زنازينهم.
“الدستور العاطفي” :
يُكتب بلغة الزغرودة كما يُصاغ بلغة القانون.
ثالثًا: الخيال السياسي الجمعي – الوقود البديل
في لحظة أفول المؤسسات الحزبية والنخبوية، لم يتبقَّ سوى المخيلة الشعبية التي تصيغ :
جغرافيا جديدة:
“الخرطوم” ليست مركزًا، بل مفترق أحلامٍ بين “الفاشر” و”كسلا”.
تاريخًا موازيًا:
نروي فيه الهزائم كدروس، لا كنكبات.
لغة ثالثة:
تولد من اشتباك العربية والمحلية، وتتشكل من وجع مشترك.
“حين نحلم سويًّا… يُصبح الانقسام مستحيلًا،
لأن الحُلم لا يعرف القبائل.”
رابعًا: كيف نُطلق الخيال السياسي؟
أ. مشروع “الذاكرة الحية”
تحويل سِيَر الشهداء إلى مناهج دراسية.
ضم أغاني الزرع في الجنوب إلى تراث الأمة.
ب. التمثيل التخيلي
مقاعد رمزية لمخيمات النزوح داخل البرلمان، حتى قبل العودة.
تصويت لا على مرشحين، بل على أحلامنا الجماعية.
ج. اقتصاد الأمل
توزيع الميزانية وفق أولويات الحلم، لا أوامر البنك الدولي.
خامسًا: لماذا يخاف النظام من الحُلم؟
لأن الحلم:
يُذيب الفواصل بين “المركز” و”الهامش”.
يُحرّر الناس من الخوف، ويضعهم على بوابة الغضب.
ويُنتج أخطر خصم للنظام: شعب لا يحتاجه كي يحلم.
ختامًا: السودان الذي لم يُولد بعد… لكنه يحمله كل سوداني
النظرية الشعورية لا تعدنا بجمهورية مثالية، بل تُعطينا أداة خيال نعيد بها صياغة الحلم.
“حين يصبح حلم فتاة في ‘القضارف’ بنظارة طبية،
مساويًا لحلم وزير في ‘الخرطوم’ بسيارة جديدة،
حينها فقط… نعلم أن الثورة انتصرت.”