الجميل الفاضل يكتب .. “خطبة المجد”، وخطاب الضجر؟!

ربما أجد شيئا من الجنرال البرهان في قصيدة طويلة أسماها الشاعر محمود درويش، “خُطب الديكتاتور الموزونة”، هي قصيدة مركبة من سبعة خُطب.
قال في إحداها تحت عنوان”خطاب الجلوس”:
يعلن الدكتاتور على الملأ ما يلي:
“سأختار شعبي،
سأختار أفراد شعبي،
سأختاركم واحداً واحداً،
من سلالة أمي ومن مذهبي،
سأختاركم كي تكونون جديرين بي،
سأختار شعباً محباً، وصلباً، وعذباً،
سأختار أصلحكم للبقاء،
وأنجحكم في الدعاء لطول جلوسي”.
وفي قصيدة أخري عنونها الشاعر ب”خطاب الضجر” يطل وجه برهان بين سطور كلمات محورة لدرويش وهو يقول:
اختصر الناس،
أقتل ثلثاً،
وأطرد ثلثاً،
وأبقي من الثلث حاشية للسمر.
وأطبع وجهي من أجلكم فوق القمر،
لكي تحلموا مثلما أتمنى لكم:
تصبحون عليّ
وما من خبر.
فكل شيء حول برهان، هو إما متغير أو قابل للتغير، ما عدا ثابت وحيد يتمثل في بحثه المستمر عما يعزز وجوده في عرش سلطته المهتز، وكل ما يدعم أو يضمن إستمراره في الحكم.
علي أية حال، يبدو أن نُبوءة لا زالت تُعشَّعِشُ، تُبِيضُ وتُفرِخُ، في ذهن الجنرال عبدالفتاح البرهان، الذي راهن بما يملك وما لا يملك، علي تحقيقها كما هي، أو أن نهلك كلنا دونها.
إذ إنها نبوءةُ أبٍ، كسائر الآباءِ لإبنٍ من أبنائه، لا تعدو في الحقيقة أن تكون مجرد أُمنية، بيد أنها أُمنيةٌ بات تحصيلها، والاستمرار في العمل لإنجازھا، فادح الثمن لأبعدِ الحدود، بما ترتب علي الإبرارِ بها الي الآن من تبعاتٍ كارثية ليس أقلھا الحرب الحالية، التي أورثت شعبا كاملا وبالاً وخبالاً، وأرهقته من أمرهِ عسرا عسيرا لا طاقة، ولا قبل له به.
إذ يقول البرهان حرفيا في مقابلة صحفية سابقة: “والدنا أحسبه رجلا صالحا، قد ذكر بالنص أنني سأكون ممن يحكمون السودان، ولعل من المصادفات السعيدة هي أنني من مواليد 4 يوليو 1960م وهو ذات يوم توقيع اتفاقنا مع الحرية والتغيير الذي أنقذ السودان في أمسية 4 يوليو 2019م، وهذه مصادفة طيبة”.
ربما لا يخفي من إجابة البرهان هذه، الي أي مدي هو علي ثقة في نبوءة أبيه الرجل الصالح بحكم السودان، بل واعتقادا في نفسه ذاتها، برز من خلال ايراده شاهد اقتران تاريخ ميلاده، بتاريخ توقيع الاتفاق السياسي، مع تحالف الحرية والتغيير آنذاك، الذي إعتبره بكل بساطة، من المصادفات السعيدة.
المهم فإن لشهوة الحكم مثيرات اسطورية، ومحفزات خرافية أحيانا، من بينها بالطبع الركون الي مثل هذه النبوءات والمصادفات، والتعويل عليها رغم ما يكتنف تحقيقھا من مصاعب ومخاطر.
وقد بدا لافتا كيف أن لظاهرة تثمين مثل هذه النبوءات والخطرفات الجنونية، تاثيراتها الممتدة علي سلوك هذا الجنرال اللا مبالي، هذا السلوك المتهور، الذي قاد لأحراق البلاد، ولدحرجتها نحو شفا التمزق والتبدد والإنهيار.