مقالات

عروة الصادق يكتب.. النظرية الشعورية السياسية – تأصيل لوعي جمهوري بديل في السودان – الأخيرة – (8)

النظرية الشعورية السياسية - تأصيل لوعي جمهوري بديل في السودان - الأخيرة – (8)

الجمهورية الشعورية – من النظرية إلى الخيمة

عروة الصادق
orwaalsadig@gmail.com

بيان ميلاد وطني… يُكتب بالدموع قبل الحروف

مقدمة: النظرية التي صارت وطنًا
هذا ليس ختامًا… بل هو الولادة الأولى لوطن ظلَّ يُنتظر منذ بكاء أمٍّ على جثمان ابنها في “الجنينة”، وحتى آخر دمعة سالت في “ميدان القيادة”.
هنا، لا نعلن دستورًا جديدًا، بل نعلن نهاية زمن الوثائق الميتة، وبداية وطن يُبنى من الداخل، لا من الأرشيف.

أولًا: إعلان قيام الجمهورية الشعورية
(لا نُعلن دولة… بل نُعلن طريقة جديدة لكوننا سودانيين)
المبادئ التأسيسية:
السيادة للشعور قبل القانون.
المواطنة بالوجع لا بالورق.
الحدود تُرسم بالدمع لا بالمسطرة.
“نحن لسنا شعبًا يبحث عن دولة…
بل دولة تبحث عن شعبها بين الجثث والمنافي.”

ثانيًا: هيكل الجمهورية – عرش المشاعر

في الجمهورية الشعورية، لا تُبنى مؤسسات الدولة على النموذج البيروقراطي، بل على هندسة الوجدان. فالرئيس ليس رأس السلطة، بل حارس الدموع، يُنتخب لا لأنه يمتلك الرؤية السياسية، بل لأنه عرف طعم البكاء على غريب لا يمت إليه بصلة سوى حب الوطن المشترك.

البرلمان ليس قبة مغلقة، بل خيمة الحكايات، يجلس فيها الناجون من المذابح إلى جانب الشعراء، وتُناقش فيها قوانين الحياة، لا مشروعات السلطة. إنه المكان الوحيد الذي يُقاس فيه ثقل الصوت بقدرته على حمل المعاناة لا على عدد ناخبيه.

أما الدستور، فليس حزمة نصوص جامدة، بل هو دفتر الألم المشترك، تُفتتح صفحاته بأسماء القرى المنسية قبل أن تُصاغ مواده بصياغة المحامين. هو وثيقة كتبتها الجراح، وحررتها دموع المهمّشين، وراجعتها ذاكرة الذين لم يُذكروا.

الجيش، في هذه الجمهورية، لا يُقسم على الولاء للنظام، بل يُؤسَّس كـ جيش للذاكرة، يحمل أسماء الشهداء بدل الرتب، ويحتفظ بشعارات الثورة بدل بيانات الطوارئ. جنوده ليسوا آلات قمع، بل حاملو سرديات الذين ماتوا ليبقى هذا الوطن حيًا.

أما العَلَم، فهو ليس قطعة قماش بثلاثة ألوان موزعة على وفق اتفاق سياسي، بل هو قماش مرقّع بخيوط من ثياب ضحايا “دارفور” و”النيل الأزرق”، علمٌ يُحمل لا ليرفرف في الريح، بل ليرفرف في القلوب التي لم تُنسَ.

ثالثًا: دستور الخيمة – مواد لا تُعدّل


المادة (1): “كل من بكى على هذا الوطن… مواطن، ولو بلا وثيقة.”
المادة (2): “اللغة الرسمية هي لهجة القلب… سواء كانت عربية أو نوبية أو زنجية.”
المادة (3): “العدالة تعني أن تُرى… قبل أن تُعطى.”
المادة (4): “الخيانة العظمى ليست في شتم رئيس… بل في نسيان دم شهيد.”

رابعًا: كيف تعمل الجمهورية الشعورية؟


أ. حكومة المشاعر
وزارة الدفاع تتحول إلى وزارة الذكريات الحيّة.
وزارة المالية تصبح وزارة دموع الفقراء.
ب. الانتخابات الوجدانية
الناس يصوّتون بقصصهم، لا ببطاقاتهم.
الفائز هو من يستطيع أن يُعبّر عن ألم الجميع، لا من يُجيد الخطابة.
ج. القضاء العاطفي
المحاكم تُدار بلغة الجرحى، لا ببرودة القانون.

خامسًا: الخيمة السياسية – الوطن الذي لا يُحتكَر


الخيمة ليست مساحة مؤقتة، بل الرمز الدائم للجمهورية الجديدة:
سقفها من قماش النسيان الممزق بذاكرة الضحايا.
أعمدتها أصوات الذين لم يُسمَعوا قط.
أرضيتها من تراب القرى التي لم تُذكر في أي خطاب وطني.
“في الخيمة:
الوزير يجلس على الأرض،
والطفل الذي حمل السلاح يجلس على الكرسي،
لأن جُرحه أصدق من رُتبة أي مسؤول.”

خاتمة: هذا ليس حلمًا… بل صحوة متأخرة


الجمهورية الشعورية ليست نظرية تُدرّس، بل نداء وجوديٌّ صادق،
هي الصرخة التي تُولد حين يسقط آخر صنم للسلطة.
“نحن…
الذين كتبوا اسم السودان:
– بالدم في كرري،
– بالتراب في الفاشر،
– بالدمع في أم درمان،
– وبالحُلم في وادي هور.
نقول:
الوطن لم يعُد خريطة،
بل صرخة.
ولم نعد رعايا،
بل أصحاب هذه الصرخة.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى