الاديب شقيفة يكتب .. وسائل التواصل الاجتماعي بين النور والظلال

في زمنٍ أصبحت فيه السرعة عنوانًا للعصر، تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي من مجرد وسيلة ترفيهية إلى جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية. إنها المساحة التي نعبّر فيها عن آرائنا، نشارك لحظاتنا، نتعلم، نتعرّف، ونتفاعل مع عوالم لم نكن نحلم أن نصلها. بضغطة زر، أصبحنا جميعًا مواطنين في قرية كونية واحدة، نتبادل الأفكار كما نتبادل التحايا، ونعبر المسافات كما نعبر الكلمات.
لكن هذا “النور” الرقمي لا يخلو من ظلال قاتمة، تتسلل خفية إلى وعينا، وتؤثر في سلوكنا، وعلاقاتنا، ونظرتنا لأنفسنا. فبينما تبدو المنصات الإلكترونية وكأنها ساحة للحرية والانفتاح، فإنها في الواقع قد تتحول إلى قيد ذهني ونفسي، يفرض علينا نمطًا معينًا من الحياة، ويغرقنا في مقارنة لا تنتهي مع الآخرين.
منصات التواصل تتيح لنا نافذة على العالم، لكنها أحيانًا تنسينا النظر داخل أنفسنا. نتابع حياة الآخرين، ونظن أن ما يعرضونه هو الحقيقة الكاملة. نغفل عن أن خلف كل صورة جميلة قد يكون هناك حزن خفي، وخلف كل “منشور مثالي” قد يكون هناك تعب أو وحدة. هذه المقارنات تُربك الذات وتدفعها أحيانًا إلى جلدها دون سبب، فيتحول النور إلى ظلال نفسية ثقيلة.
ولعل أخطر ما في وسائل التواصل أنها تُعطيك الإحساس بأنك دائمًا في حاجة إلى أن تكون “متصلًا”، إلى أن تُعلّق وتُشارك وتُعبّر، وإلا ستفوتك الحياة! وهذا وهم. الحياة الحقيقية تُعاش في الواقع، بين الأهل والأصدقاء، في لحظات الصمت والتأمل، في الصفحات التي نكتبها بعيدًا عن الضجيج الرقمي.
لكن دعونا لا ننسى الجانب الآخر من الصورة، وهو أن هذه الوسائل مكّنتنا من إيصال أصواتنا، من التعلُّم الذاتي، من التضامن مع القضايا الإنسانية، ومن تلاقح الثقافات وتبادل المعارف. إنها منابر حقيقية لمن يملك الفكرة والرسالة، لكنها أيضًا سلاح ذو حدين، إن لم نحسن استخدامه، فربما نُغرق أنفسنا في فراغ لا يُطاق.
إن التحدي الحقيقي ليس في الوسائل نفسها، بل في وعي الإنسان وهو يستخدمها. أن يكون المتلقي ناقدًا لا منساقًا، وأن يكون صانع محتوى مسؤول، لا مروجًا للسطحية والتزييف. أن نُعيد الاعتبار لعقولنا وقلوبنا ونحن نتنقل في هذا الفضاء المفتوح.
في الختام، وسائل التواصل الاجتماعي بين النور والظلال، بين المعرفة والتشويش، بين التقرّب والتباعد، بين الحقيقة والزيف. ويبقى الخيار بيدك، أنت وحدك من يقرر أي طريق تسلك، وأي أثر تترك.