مقالات

رئيس فرسان الشرق ابو فاطمة يكتب .. (طوكر) الجريحة مابين قسوة الإهمال وتراكم المظالم – (2)

الشاهد : خلال العقود الأخيرة، تحولت مدينة طوكر بولاية البحر الأحمر، إلى منطقة يعيش انسانها مأساة حقيقة في ظل غياب دور الدولة، الامر الذي زاد من معاناة المواطن الذي اصبح ضحية السياسات والإهمال الإداري، وبصراع المصالح، وفساد النافذين في الدولة، وأخيراً، الفيضانات التي شهدتها المنطقة مؤخراً، والتي لم تكن قضاءً وقدراً بقدر ما انها كانت ناتجة من سوء التخطيط والفشل الاداري.

ومواصلة لاستعراض القضايا التي ذكرناها في الحلقة الماضية في المساحة التالية نستعرض قراءة عابرة في بنية الانهيار الإداري والسياسي لمشروع دلتا طوكر الزراعي، والذي القي بظلالة سالبة انعكست في معاناة المزارعين، وغياب دور الدولة في عدم القيام بواجبها.

أولاً: البنية الجغرافية والاقتصادية لمشروع دلتا طوكر:

وحيث يتكوّن مشروع دلتا طوكر الزراعي من قسمين رئيسيين:

١ /  الدلتا الشرقية: وهي الجزء الأساسي النشط تاريخياً، وتضم قرابة 40000 فدان [ أربعون الف فدان] وهي من  المربعات الزراعية التي تمتاز بالخصوبة العالية.

٢/ الدلتا الغربية: والتي تقع غرب الجسر المؤدي إلى بورتسودان، وكانت مملوكة للأجانب خلال الاستعمار الإنجليزي. ولكن بعد رحيل المستعمر، تم التخلي عن هذا الجزء من المشروع وظل خارج خطط الري لعقود، حتى أعاد بعض النافذين وضع أيديهم عليه لاحقاً ويحالولون تجفيف الضفه الشرقيه وسبق ان قامو ببيع نصيبهم  وتحويل خطة الري الي الضفه الغربيه.

ثانياً: الفساد وتقويض القرار المحلي:

بسبب الأعراف المشوهة والعلاقات الزبائنية، حيث ساد نمط مريب في إدارة المشروع، وخاصة بعد ان اصبح النافذون يسيطرون على تعيين المدراء ويخالفون قوانين الخدمه باختيار المعاشيين لضمان تنفيذ أجنداتهم،
بينما يُمنح “اتحاد المزارعين” سلطة شكلية بلا صلاحيات حقيقية.

بيد ان الإدارة تم افراغها من مضمونها الشعبي وتحويلها إلى أداة في يد المنتفعين والمستفيدين من الريع الزراعي والأراضي.

وبالرجوع الي فترة الوالي السابق محمد طاهر إيلا، حيث قام بنقل المشروع إلى سلطات ولاية البحر الأحمر وذلك لأهداف سياسيه يعد من بينها إعاقة المشروع وتعطيل مصالح المزارعين، ومن هنا بدأت مسلسل التلاعبات وتم تهميش المزارعين وتعطيل قرارتهم.

ثالثاً: انتفاضة أبناء طوكر ومحاولة استعادة القرار:

تابعنا : عقب اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة حيث نشط أبناء طوكر المخلصون لاستعادة المشروع من قبضة الادارة الفاسدة التي اقعدت بالمسروع، وفي المقابل كا ن صدر قرار بتبعية المشروع إلى وزارة الزراعة الاتحادية، وبالفعل تم الشُروع في إصلاح الإدارة.

وبرزت محاولات إصلاح مشروع طوكر بدءً بتعيين المهندس خالد حسن، وهو من أبناء المدينة والمتخصصين في الزراعة، ويملك فهماً دقيقاً وإلماماً عميقاً بالبنية التحتية للمشروع ومشكلاته من خلال خدمة امتدت لعشر اعوام ، ولكن الايادي النافذة رفضت التعيين وشنوا حرباً خفية لإفشاله.

وبالفعل تم اقصاء المدير الذي تم تعيينه ابان فترة الثورة وقام المتتفعين من النافذين باعادة تنصيب المدير السابق، الذي لا يحمل مؤهلاً جامعياً، جاؤا به مدير مرة أخري مع العلم بأنه علي اعتاب المعاش ويقيم في بورتسودان ويدير المشروع “بالهاتف”، وهذا ما تسبب في اخفاق نتج عنه كارثة كبري وهي تحويل مجرى المياه إلى داخل المدينة، مما أدى إلى فيضانات مدمرة أزهقت الأرواح ودمّرت الممتلكات في العام الماضي.

رابعاً: الفشل المستمر في التخطيط الزراعي:

ومن بين اكبر المشاكل الفنية، التي يجب معالجتها من المعروف سابقاً إن خطة تشغيل المشروع تبدأ في شهر مارس بحسب ما رسّخه الإنجليز، نظراً لعوامل التربة والمناخ، بالاضافة الي مراعاة التأخير عن هذا الموعد يجعل الأرض ضعيفة، وتصبح مقاومة الفيضانات شبه مستحيلة، خاصة مع هبوب رياح “الهبباي” والتي يطلق عليها محليا ( الايتبيت ) .

وبالرغم من الواقع المأساوي الذي يعانيه انسان المنطقة حيث تابعنا ان وزارة المالية أعلنت عطاءات متأخرة جداً، وتقدمت لها للاسف ثلاث شركات محليه وغابت الشركات القوميه او ربما غيبت عن عمد والشركات الثلاث التي تقدمت اكتشفنا إحداها بلا سجل ضريبي، وأخرى بلا خبرة هندسية، والشركة الثالثة ناشئة بلا سابقة أعمال وهذا قليل من الفساد الذي يمارس في المشروع.

وبالاشارة الي هذه الاخفاقات التي ظللنا نرصدها عن كثب تقود الي امكاننا بالقول ان الوزارة فشلت في اجتذاب شركات متخصصة بسبب سوء الإدارة الزمنية للعطاءات، والتي أمتنعت عن إعلان نتائج فتح المظاريف.

خامساً: المعركة القادمة استعادة القرار :

يحتشد أبناء طوكر اليوم، دون نتيجة حقيقية، في معركة استرداد القرار التنموي والزراعي للمدينة، لكنهم يواجهون، فساداً متمكناً ومستشري بالاضافة الي إقصاءً مقصوداً لأبنائهم المؤهلين، وايضاً استمرار نهج الحكم بالمحاصصة والنفوذ القبلي على حساب الكفاءة والانتماء الحقيقي كلها عوامل تمثل عقبة حقيقة أمام معركة استرداد القرار.

علي اية حال اذا اردنا ارجاع مشروع طوكر الي مربع الانتاجية الاول يجب اسناد ملف متابعة تنفيذ خطة الري لقيادات حقيقة يكون همها الأول والأخير هو خدمة المواطن، وخاصة بعد ان اتضحت الرؤية ان ما يحدث في طوكر ليس مجرد أزمة إدارة مشروع زراعي، بل تعبير صارخ عن فشل بنيوي في إدارة الدولة السودانية للأطراف والمناطق “غير المرئية” في الخرائط السلطوية.

إن طوكر اليوم تفتقر للتنمية، وانعدام العدالة، وسرقة القرار من يد المجتمع، وبهذا يبقي الواجب الملح علينا هو إنقاذ طوكر وهذا لا يتم من خلال العاطفة، بل بإرادة سياسية جديدة تضع الخبرة قبل الولاء، والمصلحة العامة قبل النفوذ، وتعيد الاعتبار لمزارعيها ومهندسيها، لا لأصحاب النفوذ والمنتفعين .. وللحديث بقية ..《 ونواصل》

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى