الأديب شقيفة يكتب .. الظلّ الأخير في سبدو

في صباحٍ مشمس من ربيع عام 1965، استيقظت قرية سبدو على وقع أنغام الطبول وزغاريد النساء. كانت القرية تستعد لاستقبال ضيفٍ غير معتاد: الملكة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا. لم يكن هذا الحدث مجرد زيارة بروتوكولية، بل كان اعترافًا بمكانة سبدو التاريخية والثقافية في قلب السودان.
تجمّع الأهالي في الساحة الرئيسية، حيث نُصبت الخيام وزُيّنت الطرقات بألوان الزينة التقليدية. كان الأطفال يركضون بفرح، والنساء يجهزن الأطباق المحلية، بينما كان الشيوخ يتبادلون القصص عن تاريخ سبدو العريق.
عند وصول الموكب الملكي، تقدّم ناظر عموم الرزيقات، إبراهيم موسى مادبو، لاستقبال الملكة. كانت لحظة تاريخية، حيث التقت تقاليد سبدو العريقة مع رموز العالم الحديث.
بعد عامين، في عام 1967، استقبلت سبدو زائرًا آخر من العيار الثقيل: الرئيس المصري جمال عبد الناصر. جاء عبد الناصر إلى السودان لحضور قمة اللاءات الثلاث، وقرر زيارة دارفور، حيث كانت سبدو محطة بارزة في جولته. استُقبل بحفاوة بالغة، وأقيمت له الاحتفالات التي تعكس التراث الثقافي الغني للمنطقة.
في تلك الأيام، كانت سبدو مركزًا للتلاقي بين الثقافات، ومسرحًا لأحداثٍ شكلت جزءًا من تاريخ السودان الحديث.
اليوم، وبعد مرور عقود على تلك الزيارات التاريخية، تقف سبدو أمام تحديات جديدة. النزاعات، التهميش، والتغيرات المناخية تهدد استقرار المنطقة. ومع ذلك، يظل أهل سبدو متمسكين بأرضهم، يعملون بجد لإعادة بناء قريتهم، والحفاظ على تراثهم الثقافي.
إن سبدو ليست مجرد قرية في شرق دارفور، بل هي رمز للصمود، والتاريخ، والأمل. في ظل التحديات الراهنة، تحتاج سبدو إلى دعم وطني ودولي لتحقيق التنمية المستدامة، والحفاظ على إرثها الثقافي.
الظلّ الأخير في سبدو ليس نهاية، بل بداية جديدة نحو مستقبل مشرق، يستند إلى تاريخ عريق، وإرادة لا تلين.