جعفر محمدين يكتب .. العدالة الانتقالية في السودان: التحديات والآفاق في ظل استمرار الحرب (1 _2)

تشكّل العدالة الانتقالية في السودان إحدى الركائز الأساسية لبناء سلام مستدام بعد عقود من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لا سيّما في ظل استمرار النزاعات المسلحة التي تعيق عملية التحول الديمقراطي. رغم تبني “إعلان مبادئ العدالة الانتقالية” في مارس 2023، إلا أن التطبيق الفعلي يواجه عقبات جسيمة تتطلب حلولاً إبداعية وتعاوناً إقليمياً ودولياً.
التحديات الرئيسية
- استمرار الحرب والنزاعات:
- تُعيق العمليات العسكرية المستمرة في دارفور وجنوب كردفان وغيرها جهود التوثيق والتحقيق، كما تزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، مما يوسع دائرة الضحايا ويعقّد مسارات المحاسبة.
- يصعب إنشاء هياكل العدالة الانتقالية (مثل اللجان القضائية أو لجان الحقيقة) في ظل انعدام الأمن وتهجير السكان.
- ضعف المؤسسات وهيمنة النظام القديم:
- لا تزال المؤسسات القضائية والأمنية تعاني من هيمنة عناصر موالية للنظام السابق، مما يقوّض نزاهة المحاكمات أو الإصلاح المؤسسي.
- مقاومة النخب السياسية والعسكرية للمساءلة، خاصةً مع تورط بعضها في جرائم حرب أو فساد.
- التشرذم السياسي وغياب الإرادة:
- انقسام القوى السياسية بين مؤيد للمحاسبة الكاملة وداعم لإجراءات تصالحية تمنح عفواً جزئياً، مما يُضعف التوافق الوطني.
- عدم وضوح الرؤية حول دور العدالة الانتقالية في مفاوضات السلام الجارية، حيث تُقدّم المصالح السياسية قصيرة المدى على العدالة.
- نقص الموارد والخبرات:
- يحتاج السودان إلى دعم مالي وتقني دولي لتمويل برامج جبر الضرر (مثل التعويضات وإعادة الإعمار) وبناء قدرات المؤسسات المحلية.
كيفية التطبيق رغم التحديات؟
- آليات مرحلية:
- البدء بخطوات عملية مثل توثيق الانتهاكات عبر منظمات محلية ودولية (مثل الأمم المتحدة)، وحماية الشهود، حتى في المناطق المتأثرة بالنزاع.
- إنشاء هيئة مؤقتة للحقيقة والمصالحة بصلاحيات محدودة، تركّز على جمع الروايات وبناء الثقة بين الضحايا والدولة.
- الربط بين العدالة والسلام:
- إدراج بند العدالة الانتقالية في أي اتفاقيات سلام مستقبلية، مع رفض منح عفو عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
- دعم المحكمة الجنائية الدولية في متابعة قضايا مثل مجزرة دارفور، مع تعزيز المحاكم السودانية عبر إصلاح القضاء.
- إصلاح قطاع الأمن:
- تفكيك الميليشيات المسلحة وإدماجها في هياكل أمنية خاضعة للمساءلة، كشرط مسبق لأي مصالحة.
- دور المجتمع الدولي:
- الضغط السياسي والمالي لضمان التزام الأطراف السودانية بالعدالة، مع تقديم دعم تقني لبناء المؤسسات.
الخاتمة
رغم تعقيدات الحرب، لا يمكن تأجيل العدالة الانتقالية إلى ما بعد تحقيق السلام، إذ أن إهمالها يُغذي دوامة العنف. يتطلب النجاح إرادة سياسية حقيقية، وإشراك الضحايا في صنع القرار، وربط العدالة بالإصلاح الاقتصادي لمعالجة جذور الأزمة. السودان أمام فرصة تاريخية لتحقيق مصالحة وطنية شاملة، لكن الوقت ليس في صالحه مع استمرار المعاناة.
جعفر محمدين عابدين
الأمين العام لمؤتمر الكنابي بالسودان
gafertamok@gmail.com
الجمعة / 30 مايو 2025م