تحليل سياسي .. كامل ادريس.. هل أصابته (أم فريحانة)..؟!

كامل ادريس.. هل أصابته (أم فريحانة)..؟!
تحليل سياسي: مجاهد الفاطرابي
الخطاب الاول لرئيس الوزراء الجديد د. كامل ادريس أمس جاء مربكا جدا لأي مراقب للشأن السوداني وذلك بحمله لإشارات متناقضة تجمع مابين (مفهومي) الحرب والحوار..! في آن واحد وهذا يستدعي منا ان نضع هذا الحديث الغامض في منضدة التحليل و(التشريح) و(التفكيك)! لنفهم حقيقة مقصده..
ففي تحليلات سابقة لي قلت ان إدريس ربما يكون “واجهة” جيء به ليموّه واقعا عسكريا يبحث عن شرعية! وذكرت كذلك احتمالا اخر وهو ربما يكون “صفقة” نسّقها الإقليم لفتح بوابة تسوية، متكئا على إسم غير (ملوث) بدماء الحرب أو بشبهات الفساد السياسي..و بين هذين الرأيين، أحاول هنا أن أفكك خطابه و أقرأ مفرداته وأستدعي لغة جسده.. لأفهم من (نطقه) و(إيحاءاته) هل جاء فعلا ليحلّ العقد.. أم ليُحكم ربطها؟!.
الملاحظة الاولى توحي لك ان الرجل بدأ وكأنه لا يخاطب شعبا منكوبا.. بل يقف أمام منصة دولية ليتلوا تقريرا امام (زعماء).. فكلماته كانت (مشحونة) بمعجم السيادة..؟! لا ايقاف الحرب وعقد المصالحة.. ونسي تماما ان يتحدث عن النزوح و الخراب الذي افرزته الحرب المدمرة و قفز إلى شعارات إعادة الإعمار وهيكلة الدولة..!.
في سياق بلد يشهد حرب بهذا الحجم، تغدو اللغة موقفا.. فرئيس الوزراء و بعناية شديدة ، اختار أن لا يُصنّف نفسه كطرف مباشر لكنه في ذات الوقت تبنّى رواية السلطة في بورتسودان حرفا بحرف.. وهذا الانحياز (المُقنّع) برايي هو أكثر ما يشي بوجهة خطابه الحقيقية.
واعتقد ان في ظهوره الأول أمام الشعب السوداني لم يكن كامل إدريس هو من يتحدث فعلاً بل كانت نبرة الفريق ياسر العطا (المعهودة) تتسلل من بين سطور الخطاب، فكأن الرجل استعان بمفردات معلبة من دفتر العسكريين، أن يصف الحرب بـ”معركة الكرامة الوجودية” ليس مجرد استعارة عابرة، بل هو التوقيع غير المعلن على الرواية العسكرية الكاملة، دون حتى أدنى محاولة لتلطيفها أو تعديلها.. امتداح “المقاتلين “وإصراره على ذكر كل (المجموعات) والتعهد بالقضاء على ما أسماه (التمرد) واستخدام قاموس (الصراع)..! لا لغة رجل الدولة..؟! كل ذلك يرجح بأنه لم يأتِ ليكون نقطة تحول حقيقي في مجريات الاحداث بل جاء امتدادا لمعادلة قائمة..!.
أما لحظة “الاستعراض اللغوي” التي فاجأ بها الرجل الجمهور بتحدثه ثلاث لغات فقد كانت بمثابة انقطاع فج عن السياق وظهر وكأنه في (معاينة) لنيل وظيفة عامة وفي الحقيقة هذه (الحركة) التي بدرت منه لم تكن (إضافة له) امام الشعب بل (أظهرته) وكإنه يريد ان يقول لا احد غيره (مؤهل) لهذا المنصب غير ان الذي حدث عندما فعل (فعلته) هذه كان عكس مايريد..! حيث ان (جموع) من السودانيين على منصات (السوشيال ميديا) واجهوه بوابل من الكلمات الساخرة والمستهزئة والمتندرة.. واعتبروا ان ماقام به مجرد إستعراض (فارغ) هذا ليس مكانه.. ويبدو لي ان كامل اصيب ( بأم فريحانة)؛ و(ام فريحانة) هذه في المعجم السوداني يوصف بها الشخص الذي نزلت عليه نعمة من نعم الله..إن كانت وظيفة او غيرها ولم يصدق.. فيفرح فرحا شديدا ليغيظ به الاخرين..!.
وبالعودة مرة اخرى إلى مفرداته المنتقاة ولغة الجسد يمكننا بقدر كبير من الترجيح أن نقول إدريس جاء لا ليقود تحولًا بل ليُدير مرحلة انتقالية لحساب من جاءوا به.. فهو أشبه بـ”واجهة” ستُمكّن السلطة القائمة من إعادة بناء صورتها دون أن تغيّر بالضرورة في بنيتها وبالتالي، فالأرجح والأدق أنه سيكون رجل (تثبيت لا تفكيك)… رجل هدنة مؤقتة بانتظار صفقة أكبر لم تنضج بعد..!.