(الاتجاهات الستة) نادر التوم يكتب .. نظرة بعمق .. الأعياد الثلاثة

الاتجاهات الستة نادر التوم
نظرة بعمق
#
الأعياد التلاتة!!
#
(1)
الزمان عشرة ذو الحجة 1444 هجرية
المكان مدني الجزيرة
تجهز الناس للعيد السعيد، كانت الخرطوم تتضرخ في دمائها، بما بقى فيها من بشر، و كانت الجزيرة ،و مدني نلبس حلة زاهية، و تتجهز لكي تسيل دماء ضحاياها.
كنا صيوفا هكذا نرى أنفسنا بحلولنا على الأهل، و كنا نازحين بما أفرزته الحرب، هكذا نرى ـ بضم النون ـ
صلاة العيد كانت في الساحات، و جولة العيد بالساعات، بل بالأيام..
العرف السوداني، أو الاقتصاد السوداني ،و المتمثل في تقسيم الذبح لأيام، اليوم أضحية فلان و غدا أخيه و بعدها أخيه، و ربما جاره. استمر في ذلك العيد
بحسابات ذلك الزمان، كانت الأضحية غالية، لكنها توفرت مثنى ، وثلاث و رباع ،
الكبش الكبير يتراوح ما بين تسعين إلى مائة الف، و الخمسين يمكن أن تضحي،
الأهل لم يقصروا، و أيام العيد توزعت بينهم لدرجة أننا لم نف البعض حقهم!
على شارع النيل، مساء ، كنا نرتشف القهوة، و الشاي مع الزلابيا بالنيوتلا.، بعد أن تناول الشربوت في البيوت، و ربما في ذات المكان الآسر المزدحم!
بعض الجيران، و أهل تلك المناطق، و كثير من الأهل ،كانت علاقتنا معهم (سلام و مرحب)، و (من بعيد)!
(2)
الزمان: عشرة ذو الحجة 1445 هجرية
المكان: (نفس المكان)
بعد ترحال، و تجوال ، و تطواف عبر الولايات (الجزيرة، كسلا، البحر الاحمر ، نهر النيل)، مرورا و قرورا (بلا استقرار)، عدت إلى مدني من جديد، و هناك احتفلنا ليلا بانتصار الجيش، و احتللنا (صبحيتها)بدخول الدعامة، و مرت الايام و الشهور مثاقلة، كئيبة، بطيئة، تخللتها مناسبات و أعياد، (دون أن نحسها)، أحساسنا الأكبر كان (الخوف)، و أننا سنموت في أي لحظة…
تجادل الناس في: هل غدا العيد، ام عرفة؟ و انتشرت إشاعة (العيد ما بكرة)، لدرجة أن البعض لم يصم عرفة، و البعض ممن صام أفطر، ليتم قطع الشك، بأن العيد بكره (إن شاءالله)!
أصوات الرصاص، و الأجسام الحمراء المصيئة التي تتقافز في السماء، و الهدوء (الصاخب)، كانت ملامحا حاضرة،الصلاة داخل المسجد و الإمام يدعو للسلام، بينما جنود الدعم السريع يتجولون داخل المسجد بكلاشاتهم،و كدمولاتهم (القبيحة).. و ازدادو كثرة في ذلك اليوم..
لم يسمع صوت خروف واحد، و لا كلمة( باع)، – التي كانت منتشرة في الجزيرة و مدني قبل العيد –
كان ا(لجاهزية)، قد أ(جهزوا) على الأخضر واليابس.
يوم العيد أدهشني بكاء الكبار نساء و رجال..بسبب العيد الضاع و تغير الأوضاع ،و
في( البرش)، الذي ضم الناس منذ وفاة خالنا عبدالله (العدل) (عليه رحمة الله) ، جلسنا نحن و ضيوفنا،- و نحن في الأصل أيضا صيوف- ، و في هذه الدنيا ضيوف، جلسنا نتناول ما أكرمنا الله به من (لحيمات) أحضرها الناس، و انتهى العيد!
الإشاعة التي انتشرت قبل العيد، أن الخراف و الأضاحي متوفرة في أماكن ما، و سعر الواحد 400 الف.
في تلك الفترة ، صرنا جزء من الناس، و دخلنا بيوتا كثيرة لم ندخلها ايام نزوحنا الأول،
صار الناس أكثر تماسكا و ترابطا و وحدة و (إنسانية)!
بينما كثير من أهلنا، الذين صحينا معهم العيد السابق، غادروا الجزيرة،لتتفرق دماؤهم و دماء أضحياتهم، في الولايات و المنافي و (المهاجر)!
(3)
الزمان: عشرة ذو الحجة 1446 هجرية
المكان : الخرطوم بحري الدروشاب (السلمة شمال)
من منطلق (لابد مما ليس منه بد) ، و (الحي)، مصيرو يلاقي طال الزمن او قل، و من باب، (العرجا لى مراحها)، عدنا للخرطوم بعد غربة دواخل و غربة في الداخل و غربة بين الأهل، رجعنا الخرطوم، (بعد اغتراب ضعف الذي اغتربناه خارج الوطن)!
خروجنا من مدني، بعد أن تقفلت السبل، و لم يلح لنا ضوء – وقتها – ، لا في أول النفق، و لا آخره، و استمرت الرحلة (أربعة أيام)، بين مبيت في الطريق، بسبب حظر التجوال، و مبيت مع الاهل، و مبيت في مداخل المدن، عيدنا رمضان، و شددنا الرحال، كان همنا فقط أن يتحرر (المصفاة)، و اتينا عبر المصفاة، لتستقبلنا مشاهد الخراب و الدمار ، و الحقد و الغل و (الودار)…
كل شي متوفر (الا الناس)، و الكهرباء احيانا، و التي استقبلتنا بانقطاع أسبوعين (هي و أختها الموية)، و مسيرة (ملاريا)، أنهكت الجسد المنهك أصلا،
جاء العيد، في زمن تتراص مواعين الناس منذ الصباح الباكر في (التكية)، في انتظار الفول و العدس (بدون عيش)!
و عن طريق المغتربين
ـ في الإمارات و غيرها ـ ضحى البعض، و أطعموا معهم الباقين،
أسعار الأضاحي تراوحت بين 600 الف، و مليون و شوية ، أما الخمسمائة (نصف المليون ، نصف المليار)، فهي بالكاد تشتري حملا صغيرا
صلاة العيد كانت (داخل المسجد)، و الناس يشعرون بالأمان، الذي لولا الحرب لما أدركوا قيمته و معناه!
الأهل و الجيران قلة، طفناهم في اقل من نصف ساعة، ذلك لأن الغالبية قد قررت (الجية)، والرجوع بعد العيد إن شاءالله!
و هذا ما سنحكي عنه في مقال قادم باذن الله!
اتجاه واحد
بنظرة بعمق و مقارنة بين الأعياد التلاتة تدرك ما آل إليه حال البلد، و تدرك حكمة و رحمة الله بعباده، و تفهم معنى (كل يوم هو في شأن)، و تارجح الأوضاع سلما و حربا، قبضا و بسطا!
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه بقدر عظمة ذاتك يا أحد!
و الله اعلم