الجميل الفاضل يكتب : “ترامب” في خيمة سوق عكاظ : وهل ينتظر السودان “معلقة إعلامية” لإنهاء حربه؟!

الجميل الفاضل يكتب:
“ترامب” في خيمة سوق عكاظ:
وهل ينتظر السودان “معلقة إعلامية” لإنهاء حربه؟!
ذات ليلة وقف دونالد ترامب في قصر المربع بالرياض، يمسك سيفًا فضيًا، يتمايل بحذر في رقصة العرضة السعودية.
السيوف تلمع، والإيقاعات البدوية تهز المكان، وأمراء الخليج يحيطونه بحنو كزعيم قبلي منهم.
ذات الصورة، التي عادت للتداول بعد زيارته الثانية للسعودية، لم تكن في الحقيقة مجرد تعبير عن مجاملة دبلوماسية.
بل كانت لوحة تكشف شغف ترامب بمزاج الزعيم القبلي، الذي يحكم بسلطة شبه مطلقة، بعيدًا عن قيود واشنطن الدستورية.
هناك، بدا وكأنه ينسج خيوط خيمة رقمية، تُدعى “تروث سوشيال”، حيث يُنشد “معلقاته” الحديثة، يُحرك أنصاره، ويرد على خصومه، كما يفعل شعراء الجاهلية في سوق عكاظ.
رقصة العرضة:
رقصة العرضة: مرآة السلطة البدوية لم تكن مجرد مجاملة، بل تعبير عن إعجاب ترامب بثقافة تُمجد القوة والهيبة.
في الجاهلية، كانت العرضة طقسًا يُظهر وحدة القبيلة وسلطة زعيمها، بينما كان الشاعر يُنشد معلقته ليُشعل حربًا أو يُنهيها.
ترامب، بطبعه الاستعراضي، وجد في هذا الطقس مرآة لنفسه.
صورته وهو يرفع السيف، كأنه “شيخ قبيلة في القرن الحادي والعشرين”، تكشف عن توقه لتجسيد هذه الرمزية.
لا مدنية السلوك:
يقول اللواء سمير فرج، المفكر الاستراتيجي المصري: “سلوك ترامب ليس مدنيًا، بل يعكس شخصية مضطربة تسعى لإثارة الإعجاب باستمرار”.
هذا الإعجاب يتجلى في انبهاره بزعماء الخليج، مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي أشاد به كـ”قائد قوي”.
في الرياض، تُتخذ القرارات دون بيروقراطية، وهنا يرى ترامب نموذجًا يفتقده في واشنطن، حيث يواجه قيود الكونغرس والمحاكم.
تقرير من “The Atlantic” في العام الماضي يصفه بأنه “يتوق للسيطرة”، مما يعكس إحباطه من مبدأ فصل السلطات.
خيمة ترامب الرقمية:
“تروث سوشيال” هي خيمة ترامب الرقمية في سوق عكاظه الخاص، ذلك السوق القديم الذي كانت المعلقات فيه أقوى من السيف.
هجاء الحطيئة للزبرقان بن بدر أذل بني تميم، وفخر عنترة بن شداد رفعه إلى الأسطورة.
النابغة الذبياني أثار غضب غسان بهجائه، لكنه استعاد مكانته بمديح.
جرير والفرزدق تصارعا شعريًا لعقود، مورثين العداوة لأجيال.
وزهير بن أبي سلمى أوقف حرب داحس والغبراء بقصيدته الداعية للسلام.
هناك هذه القصائد غيّرت مجري التاريخ.
ترامب من جهته يرى الإعلام كسوق عكاظ، وهو يعبر عن إحباطًه من CNN، التي وصفها بـمصنع “الأخبار الكاذبة”.
وأنشأ منصة “تروث سوشيال” قبل ثلاثة اعوام كخيمة رقمية يتحكم فيها بالسرد.
قصة إستنساخ بايدن:
لترامب نشاطه المكثف، فقد أصدر (2,262) منشورًا في غضون (132) يومًا، وفقًا لـ” الواشنطن بوست”، حتي الشهر الجاري، يُشبه ضخه اليومي، إنشاد شاعر جاهلي غزير الإنتاج.
منشوراته، التي تهاجم إيلون ماسك أو تروّج لادعاءات عن “استنساخ بايدن”، تُشبه هجاء النابغة أو جرير للفرزدق.
يقول الدكتور مصطفى الفقي: “ترامب غير متزن، يعكس سلوكه نرجسية مفرطة”.
نرجسية ترامب: تتخذ صورة هجاء يعكس حساسية ترامب من النقد، لتُذكّر بردود الزعماء القبليين على هجاء الشعراء.
فمنعه لـCNN من حضور مؤتمرات البيت الأبيض يُشبه طرد شاعر هجّاء من مجلس زعيم قبلي.
نشرت “النيويورك تايمز” تقريرا في يونيو الحالي يوثق هجومه على وسائل إعلام تنتقده.
يقول البروفيسور جون غارتنر، مؤسس مجموعة “Duty to Warn”: “ترامب يعاني من اضطراب الشخصية النرجسية الخبيث، مع إحساس مفرط بالذات وحاجة ملحة للمديح”.
يقول أحدهم: “لا يحتاج المرء للطب النفسي ليُدرك نرجسية ترامب البادية في أقواله وأفعاله”.
التوق لسلطة شبه مطلقة:
إعجاب ترامب بزعماء الخليج يكشف توقه لسلطة شبه مطلقة.
يصف تقرير نشرته “الغارديان” في أبريل الماضي محاولات ترامب لتجاوز المؤسسات كـ”انقلاب ناعم”.
قبل أن ينقلب هذا الانقلاب الناعم الي مواجهات عنيفة بوجه الاحتجاجات ضد إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE)، التي بدأت في لوس أنجلوس، يوم الجمعة الماضي، ثم انتقلت عدواها الي نحو 12 مدينة بكافة أنحاء الولايات المتحدة، بعضها اتسع نطاقه إلى مظاهرات ضد إدارة ترامب نفسها.
وبالطبع من أبرز المدن والمناطق التي تشهد مظاهرات كانت كلا من نيويورك، وشيكاغو، وتكساس، وسان فرانسيسكو، ودينفر، وسانتا آنا، ولاس فيغاس، وأتلانتا، وفيلاديلفيا، وميلووكي، وسياتل، وواشنطن العاصمة وغيرها.
لكن في الرياض، ربما يجد ترامب نموذجًا مغريًا ومريحا لقادة يحكمون بولاء شخصي أو أسري.
فرقصة العرضة تُجسد له هذا الحلم، بيد أنه مقيد في واشنطن، مما يدفعه لخلق خيمة رقمية يعلق علي استارها معلقاته.
في انتظار “معلقة إعلامية”:
أما أزمة السودان، التي شردت 11.3 مليون شخص، تظل خارج اهتمام ترامب.
كما كان الزعيم القبلي يتحرك بناءً على هجاء أو مديح، فإن ترامب لن يهتم إلا إذا أصبحت هذه الأزمة “معلقة” إعلامية، تملأ سيرتها الآفاق.