مقالات

جعفر محمدين يكتب .. مجازر الكنابي بين الماضي والحاضر… والعدالة الغائبة

د. جعفر محمدين عابدين

gafertamok@gmail.com

طوال عقود مضت، ظل سكان الكنابي في السودان يتعرضون لانتهاكات منظمة ومجازر متكررة، دون أن تطال يد العدالة مرتكبيها، أو تُفتح ملفات للمساءلة الجادة.

هذه الانتهاكات لم تكن مجرد حوادث عرضية، بل هي انعكاس لبنية تمييزية راسخة تهمّش هؤلاء السكان وتنكر عليهم أبسط حقوقهم في الحياة، والأمن، والمواطنة الكاملة، الماضي : إرث طويل من العنف والإقصاء

منذ نشأة الكنابي، ارتبط وجود سكانها بالعمل الشاق في المشاريع الزراعية الكبرى دون أية حماية قانونية أو خدمات أساسية.

وعبر الزمن، تعرضت هذه المجتمعات لهجمات متكررة غالبًا ما صُنفت على أنها “نزاعات أهلية”، بينما كانت في حقيقتها اعتداءات منظمة نفذت في ظل صمت رسمي وأحيانًا بمشاركة مؤسسات حكومية.

خلال تسعينيات القرن الماضي وما بعد اتفاقية نيفاشا، سجلت حوادث دامية في مناطق مثل الجزيرة، وسنار، والنيل الأزرق، قُتل فيها عشرات المدنيين من سكان الكنابي دون أي تحقيق مستقل أو محاسبة للجناة.

نماذج من المجازر التاريخية: مجزرة ديم المشايخة – 1989محرقة الشريف يعقوب – 1996، حيث تم حرق أكثر من 27 طالبًا داخل المسيد مذبحة كمبو أم دخن، الكاملين – 1996ترحيل كمبو مكة ركعة – 1997ترحيل قرية وادي شعير إلى النقرابي بالحصاحيصا وقتل عدد من سكانهامجزرة كمبو 5 أم جديان بالمطوري – 2005حرق كمبو تكلة محمد زين في المدينة عرب – 2009محاولة ترحيل قرية سمير تاما شمال الجزيرة – 2012ترحيل وتكسير منطقة دار السلام الباقير – 2005إحراق حي الشرقي الذي يقطنه خليط من قبائل دارفور، حيث تم تهجير سكان 45 منزلًا – 2020

وهذه المجازر ليست إلا جزءًا بسيطًا من الانتهاكات التي طالت سكان الكنابي والقرى المجاورة.

الحاضر : عنف أشد ووحشية أكبر منذ اندلاع الحرب في 2023، دخلت مناطق الكنابي مرحلة خطيرة من الاستهداف المكشوف.

لم تعد الجرائم تُنفذ سرًا، بل باتت تتم علنًا من خلال التهجير القسري، والاعتقالات الجماعية، والقتل خارج القانون، وحرق المنازل والأسواق، على يد قوات نظامية وميليشيات حليفة.

في مناطق الكاملين، والمناقل، وجنوب الجزيرة، ارتُكبت انتهاكات تُصنّف كتطهير عرقي، حيث استُهدف السكان على أساس العرق والانتماء، وشُرّدت العائلات وأُحرقت قراها بالكامل، دون تحرك قضائي أو سياسي جاد.

العدالة الغائبة: لماذا لا يُحاسب أحد؟

غياب الإرادة السياسية: الحكومات المتعاقبة لم تعترف بالكنابي ككيانات مدنية لها حقوق تواطؤ مؤسسي: تورط مباشر أو غير مباشر لبعض الجهات الأمنية والعسكرية.

ضعف التوثيق والإعلام: تغييب متعمد لقضية الكنابي في الإعلام، ما يُبقي الجرائم طي الكتمان.

انعدام المساءلة الدولية: لم تُفتح ملفات جادة في هيئات كحقوق الإنسان أو المحكمة الجنائية الدولية بشأن ما حدث.

خاتمة: لا سلام دون عدالة إن استمرار المجازر بحق سكان الكنابي دون أي مساءلة يُكرّس ثقافة الإفلات من العقاب ويؤدي إلى إعادة إنتاج العنف جيلًا بعد جيل.

لا يمكن تصور بناء وطن عادل ومتوازن دون فتح هذه الملفات، والاعتراف بالجرائم، ومحاكمة مرتكبيها، وضمان حقوق الضحايا وكرامتهم.

في الختام:العدالة أولًا… ولا تنازل عن الكرامة الإنسانية.

بتاريخ/الجمعه 4 يوليو ل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى