ينتشر أسرع من اللقاح هل يتكرر سيناريو الكوليرا؟ من الحرب الي الوباء : السحائي يضرب السودان ؟؟

ينتشر أسرع من اللقاح هل يتكرر سيناريو الكوليرا؟من الحرب الي الوباء : السحائي يضرب السودان ؟؟
تقرير:حسين سعد
هكذا، بلا مقدّمات، يضرب مرض التهاب السحايا في القرى والمدن السودانية، ومعسكرات النزوح ومراكز الإيواء ، مستغلاً هشاشة النظام الصحي، وغياب اللقاحات، وإنشغال الجميع بالحرب والصراع.
إنه ليس وباءً جديداً على السودان، لكنه في هذا العام أطلّ بوجه أكثر شراسة، وفي صمتٍ لا يقلّ رعباً عن دويّ القذائف، من الشرق في كسلا، إلى الغرب في دارفور، الي الشمالية ووسط السودان بالجزيرة الخضراء التي تيبست ، يزحف المرض كظلّ ثقيل، لا يميز بين طفل وشيخ، ولا بين نازح وساكن.
وفيما تستنزف المعارك ما تبقى من مؤسسات الدولة، يترك السحائي بصماته القاسية: حمى، تشنجات، عمى مؤقت، أو موت مفاجئ، ورغم أن السودان دخل فصل الخريف بأمطاره المبكره ، لكن هذه المرة تختلف، الأرقام ترتفع، والمراكز الصحية عاجزة، والمجتمعات المحلية وحدها في مواجهة المجهول، والأسوأ، أنّ آلاف الأشخاص في مناطق موبوءة لم يتلقوا أي جرعة تطعيم حتى الآن هذا التقرير يحاول أن يقترب من وجع الناس، ومن كواليس الجهات الصحية التي تعمل في ظروف مستحيلة، ليكشف كيف يتحول المرض الصامت إلى أزمة إنسانية تتفاقم يوماً بعد يوم، دون أن يسمع بها العالم بما يكفي، معلوم خطورة عدوي مرض السحائي التي تنتقل عبر الرذاذ التنفسي وتتفشي بسرعة في الأماكن المزدحمة في موسم الصيف اللاهب في (أبريل -مايو -يونيو) ويصيب المرض النخاع الشوكي ، ومن أعراضه حمي شديدة وصداع حاد وتقيؤ الوضع الراهن وبحسب الإحصائيات متزايدة من الشرق الي الغرب الي الشمال والوسط حيث بلغت (293) حالة إصابة منها (31) حالة وفاة ، في وقت يعاني فيه النظام الصحي بالبلاد من إنهيار شبه تام بسبب الحرب التي دخلت عامها الثالث علي التوالي.
وأكدت الدكتورة أديبة إبراهيم السيد عضو اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء في السودان في حديثها مع (مدنية نيوز) إنتشار الإصابة بمرض السودان حيث سجلت ولايات شرق السودان أعلى معدلات الإصابة، التي بلغت (184) حالة إصابة منها (12) حالة وفاة ، وولاية الجزيرة (39) حالة إصابة منها (5) وفيات والولاية الشمالية (56) حالة إصابة منها (9) حالة وفاة ، والخرطوم (14) حالة إصابة منها (5) حالة وفاة.
وأرجعت أديبة تمدد حالات الإصابة بالمرض بسبب إرتفاع درجة الحرارة وتلوث البيئة ونقص الدواء والعلاج ، وإنهيار النظام الصحي وتأخير التشخيص والعلاج وإكتظاظ المعسكرات ومراكز الإيواء وعدم وجود معابر آمنة لولايات دارفور، وأشارت أديبة إلي إنتشار مرض الكوليرا ، وحمي الضنك ، والملاريات والسل وسوء التغذية ، خاصة وسط النساء الحوامل والمرضعات هنالك (١٧٦) ألف امرأة حامل تعاني من سوي التغذية، وكذلك (850) ألف مرضعه.، فضلاً عن وفاة (45) ألف طفل بسوء التغذية منذ بادية الحرب بينما بلغت حالات الوفيات في الولادة (680) ألف أمراة حامل.
وناشدت أديبة بإتباع إجراءات وقائية صارمة، أبرزها تجنب الخروج في فترات الظهيرة الحارة إلا للضرورة القصوى، شرب كميات كافية من المياه النظيفة لتفادي الجفاف، وتجنب الأماكن المزدحمة، والتوجه الفوري إلى أقرب وحدة صحية عند ظهور أعراض مثل الحمى المرتفعة، الصداع الشديد، أو آلام الظهر.
وطالبت السلطات الصحية بإتخاذ إجراءات عاجلة لاحتواء تفشي الوباء، بما في ذلك إطلاق حملات توعية صحية موسعة، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة، وتكثيف الرقابة الصحية في المناطق المتضررة لمنع انتشار المرض إلى ولايات أخرى.
الخاتمة :مرض السحائي في السودان ليس وباءً عابراً، بل أزمة إنسانية مركّبة تنم عن تزاحم عوامل، نزاع مسلح، إنهيار القطاع الصحي ، إهمال إنساني بإزمة السودان ، وتقاعس عالمي. يخوض ملايين السودانيين الآن معركة من نوع مختلف — معركة للبقاء، معادلة توازنها دقيقة ومصيرية، لذلك يجب أن نرفع صوتنا عاليًا، محذرين ومنبهين، بأن مرض السحائي ليس مجرد رقم يُسجَّل في تقارير وزارة الصحة، ولا مجرد حالة تظهر في مستشفى ثم تُنسى، إنه تهديد حقيقي، يسرق الأرواح في صمت، ويضرب الأسر في لحظة غفلة، وقد يغيّر مصير طفل أو شاب أو أمّ في لمح البصر، في ظل ظروف بيئية وصحية صعبة، تزداد خطورة هذا المرض الموسمي الذي ينتشر بسرعة، خاصة في مواسم الجفاف والإكتظاظ، حيث تقل الوقاية وتضعف الإمكانيات، لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذا الخطر، ولا أن ننتظر حتى يفقد أحدهم عزيزًا على حين غرة الواجب الإنساني، بل والمسؤولية المجتمعية، تفرض علينا أن نكون أكثر وعيًا، وأسرع إستجابة، وأقوى تكاتفًا، فلنُحصّن أطفالنا بالتطعيم.
ولننشر الوعي في كل قرية وحيّ، ولنحرص على النظافة الشخصية والبيئية، ولنُبادر بطلب الرعاية الطبية فور ظهور الأعراض. فلربما كان التحرك السريع هو الفارق بين الحياة والموت، إن الوقاية ليست ترفًا، بل هي حق وضرورة. والصحة مسؤولية نتحملها جميعًا، لا لأجل أنفسنا فقط، بل لأجل الوطن ومستقبل أجياله، فلنحذر، فلنستعد، ولنقف معًا – لأن حياة الإنسان أغلى من أن تُترك للصدفة.