جعفر محمدين يكتب .. المفقودين في الجزيرة والخرطوم جريمة بلا ضوء

بقلم: د. جعفر محمدين
gafertamok@gmail.com
المفقودين في الجزيرة والخرطوم جريمة بلا ضوء
في لحظة فارقة من تاريخ السودان الحديث، ومع اندلاع الحرب المدمّرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، تحوّلت المدن إلى ركام، والأحياء الآمنة إلى ساحات قتال، وأصبحت حياة المواطن السوداني مرهونة بصوت الرصاص لا بصوت القانون.
ووسط هذا الدمار الذي طال الحجر والبشر، ظهرت فصول دامية لا تزال طيّ الكتمان، من أخطرها ملف المفقودين في ولايتي الجزيرة والخرطوم، بعد دخول الجيش السوداني وحلفائه من كتائب الحركة الإسلامية المتطرفة.
تصفيات عرقية بدمٍ باردعقب انسحاب قوات الدعم السريع من ولاية الجزيرة، دخلت قوات الجيش السوداني مدعومةً بمليشيات متطرفة ذات طابع أيديولوجي واثني ، خصوصًا كتائب تتبع للحركة الإسلامية، قوات درع السودان المكونة من اثنيات عربية علي راسها قبيلة الشكرية التي استغلت حالة الفوضى لتنفذ حملة تطهير ممنهجة بحق المدنيين العزل الذين تواجدوا سابقًا في مناطق سيطرة الدعم السريع.
لقد تم اتهام آلاف الأبرياء زورًا وبهتانًا بأنهم متعاونون مع قوات الدعم، رغم أنهم مجرد مدنيين لا علاقة لهم بأي طرف من أطراف النزاع.
هذه الاتهامات كانت مجرد ذرائع لتبرير أعمال القتل والتصفية. والتهجير القسري.. وبدلاً من إخضاعهم لأي محاكمة أو تحقيق عادل، جرت تصفيات خارج إطار القانون، بأساليب وحشية تقشعر لها الأبدان.
البعض ذُبح بطريقة همجية، وآخرون بُقرت بطونهم وأُخرجت أعضاؤهم الداخلية في مشاهد صادمة، لم نشهدها حتى في أيام “داعش” في الشام والعراق ان ما ارتكبته تلك المليشيات من انتهاكات يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية بكل المعايير: قتل على الهوية، تعذيب، اختفاء قسري، وتمثيل بالجثث.
هذه الجرائم استهدفت بصورة أساسية سكان الكنابي، والعمال الزراعيين، وعمال الكمائن والمزارع – أغلبهم من المهمشين والمنحدرين من أقاليم دارفور وكردفان والنيل الأزرق، مما يكشف عن بُعدٍ عنصري وعرقي خطير في طبيعة ما جرى.
آلاف المفقودين.. بلا أثرحتى اليوم، لا يُعرف مصيرهم خاصة الذين اختفوا من أطراف مدينة ود مدني، ومن قرى الجزيرة وضواحيها وكنابيها. اختفوا بلا أثر.
بعضهم اعتُقل ولم يُرَ بعد ذلك، وبعضهم شوهد وهو يُؤخذ إلى جهة مجهولة، وآخرون خرجوا ولم يعودوا. الغموض يلفّ كل شيء، والصمت الرسمي يزيد الجراح نزفًا.
الحاجة لتحقيق دولي مستقلإن هذا الملف لا يمكن السكوت عليه أو تركه طي النسيان. فالجرائم التي وقعت لا تسقط بالتقادم، ويجب أن يتم فتح تحقيق دولي مستقل تشرف عليه جهات محايدة من أجل:
توثيق الجرائم والانتهاكات.تحديد المسؤولين عنها ومحاسبتهم.لأنهم مازالوا يعبثون بأرواح الناس بعنصرية وهمجية… لآبد من السعي الجاد في الكشف عن مصير المفقودين. حيث قوائمهم مرصودة وموجودة بحوزة جهات داخل وخارج السودان…
ختاما ان معركة السودان الحقيقية ليست فقط بين جيشين، بل بين قيم الإنسانية والتوحش، بين سيادة القانون وفوضى المليشيات.
وإنّ التستر على هذا الملف يعني منح القتلة حصانة للمضي في جرائمهم، ويشكّل خيانة لدماء الأبرياء.المفقودون ليسوا أرقامًا.. بل أرواحًا معلقة في رقاب الحاكمين اليوم في هذا الوطن.لا وطن بغير عدالة ولا عدالة بغير مساءلة