الجميل الفاضل يكتب .. فيل الحرب وجدل العميان؟!

عين علي الحقيقة
الجميل الفاضل
فيل الحرب وجدل العميان؟!
يذكرني جدل هذه الحرب، وإجاباتها الناقصة، بأسطورة تقول أن ستة عميان تناهى إلى سمعهم أن فيلاً كبيراً سوف يؤتى به إلى بلدتهم بمناسبة الاحتفال السنوي، فذهبوا الستة إلى حاكم البلدة وطلبوا منه أن يسمح لهم بلمس الفيل لأول مرة في حياتهم، فهم دائماً ما يسمعون عن الفيل ومدى ضخامته لكنهم لم يتصورا شكله قط.
لم يمانع الحاكم إلا أنه اشترط في سبيل ذلك أن يصف كل واحد منهم الفيل في جملة واحدة، وفي يوم الاحتفال وبحضور أهل البلدة أحاط الستة رجال بالفيل وبدأ كل واحد فيهم بلمسه، وبعد ما انتهوا من معاينة الفيل قام كل واحد بوصف الفيل أمام الحاكم وبحضور حشد كبير من العامة، فجاءت اوصافهم كالتالي:
الأول قال: الفيل أقرب ما يكون إلى الحبل.
قال الثاني متعجباً: أين الفيل وأين الحبل؟ بل هو مثل الحائط تماماً.
ضحك الثالث ثم قال: يا لها من سخافة، حبل وحائط، كيف هذا والفيل لا يخرج عن كونه خنجرا كبيرا.
وقال الرابع متهكماً: ما تقولونه هراء وما يقوله الناس عن ضخامة الفيل هراء أيضاً، فقد كنت أشتاق لمعرفة الفيل وصدمت حينما وجدته مجرد ثعبان بدين غير سام.
وقال الخامس ساخراً: ما كل هذا الهذيان، الفيل عبارة عن مروحة يدوية مصنوعة من الجلد.
وقال السادس مقهقهاً: يا للسماء، هل مسكم طائف من الشيطان؟! يبدو أنكم لمستم شيء آخر غير الفيل، فالفيل ما هو إلا جزع شجرة.
أثناء وصف كل شخص من الستة للفيل، كان كل من في المكان يقهقه بصوت عال ساخراً من الأوصاف العجيبة للفيل إلا الحاكم فقد كان يسمع بإصغاء كامل ووقار شديد وبعد أن انتهى الستة من وصفهم للفيل، وقف الحاكم وأشار لجموع الحاضرين بأن يكفوا عن الضحك، وبعد أن هدأ الجميع قال الحاكم موجهاً كلامه للجميع:
“لماذا تسخرون من العميان الستة؟، فكلهم صادق في وصفه للجزء الذي لمسه من الفيل، فالأول قال أن الفيل يشبه الحبل لأنه لمس الذيل فقط، والثاني قال أن الفيل كالحائط لأنه لمس الجسم فقط، والثالث قال أن الفيل كالخنجر لأنه لمس الناب، والرابع قال أن الفيل كالثعبان لأنه لمس الخرطوم، والخامس قال أن الفيل يشبه المروحة لأنه لمس إحدى الأذنين، والأخير قال أن الفيل كجذع الشجرة لأنه لمس القدم“.
بذلك فقد أصاب كل شخص من الستة جزء من الحقيقة، والخطأ الوحيد الذي ارتكبوه هو أنهم لم يتريثوا ليعرفوا الحقيقة كاملة، ونحن أيضاً بلا استثناء نقع في هذا الخطأ كثيراً، نتحدث عن جزء من الحقيقة ونعتقد أن هذا الجزء هو الحقيقة كاملة، فنتمسك به ونتعصب لأجله، نهاجم من يعارضه ونحارب الآراء الأخرى، وذلك ببساطة لأننا لم نحط بالحقيقة من كافة جوانبها.
ثم بعد أن سمع الناس كلام الحاكم الحكيم طأطأوا رؤوسهم من شدة الخجل وظلوا لوقت طويل صامتين.