محمد عبدالرحمن (بوتشر) يكتب .. المعرفة من أجل التحرر ليست شعاراً بل سلوكاً وممارسة…!!

المعرفة من أجل التحرر ليست شعاراً بل سلوكاً وممارسة…!!
بقلم: محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)
●في البدء لابد من الترحم على روح الرفيق والصديق، القائد/ عز الدين عبد الرسول (البان/نول) صاحب نظرية (المعرفة من أجل التحرر) الذي كرّس حياته في خدمة الوعي والإستنارة وإكتشاف الذات والعودة إلى الجذور ، وذلك لإيمانه العميق بأهمية المعرفة والتعليم لزيادة وعي الأجيال والمجتمعات، حتى يعرفوا حقوقهم ويمارسوا واجب النضال ومقاومة الإستبداد بوعي وبصيرة، لإسترداد حقوقهم المُستلبة.
●إن حركة/جيش تحرير السودان بقيادة الرفيق عبد الواحد محمد أحمد النور قد إهتمت إهتماماً بالغاً بالمعرفة والتعليم لا سيما في مناطق سيطرتها، وهناك المئات من الرفيقات والرفاق قد تطوعوا كأساتذة ومدرسين لأداء هذا الواجب المقدس دون مقابل مادي، خدمةً لشعبهم وبلادهم.
●إن حركة/ جيش تحرير السودان وفي أحلك الظروف التي مرت، وأثناء سير العمليات العسكرية لم تتوقف عملية التعليم في مناطق سيطرتها ، بل ذهبت الحركة لأبعد من ذلك بالموافقة على تفاهمات غير مكتوبة مع نظام البشير من أجل السماح للطلاب الممتحنين بالذهاب إلى مراكز الإمتحانات في مناطق سيطرة الحكومة ومن ثم العودة إلى ذويهم وفق ترتيبات معينة إلتزم بها كل طرف، مما ساهم إيجاباً في دفع عملية التعليم في الأراضي المحررة وتقليل الفاقد التربوي، فالحركة لم تستغل التعليم كسلاح أو تربطه بأي مواقف سياسية أو عسكرية لإيمانها بأن التعليم حق مكفول للجميع يجب عدم التفريط فيه أو المساومة عليه.
●إن حركة/ جيش تحرير السودان وعبر السلطة لمدنية بالأراضي المحررة والجهود الشعبية، وما تتحصل عليه من ضرائب من التجار ، قد شيدت عشرات المدارس والمراكز الصحية لخدمة المواطنين.
وخلال السنوات الماضية وحتى الآن قد تخرج الآلاف من الطلاب من الجامعات وأضعافهم يواصلون دراستهم بمراحل التعليم المختلفة (إبتدائي/متوسط/ثانوي) رغم قرارات سلطة بورتسودان التي حرمت الآلاف من الطلاب من الجلوس للإمتحانات لأسباب سياسية وعنصرية وجهوية، فبعد حرب 15 أبريل 2023م قد إستخدمت سلطة الحركة الإسلامية التي إتخذت من بورتسودان عاصمة لها، أقذر الوسائل والممارسات في التمييز العرقي والجهوي والمناطقي بين السودانيين، وسّنت قانون الوجوه الغريبة، إمعاناً في التفريق بين بنات وأبناء الوطن الواحد ، وهتكاً للوجدان الوطني المشترك، وتكريساً لسياسات الفصل العنصري في أبهي صوره، فقد طبعوا عملة جديدة حرموا أكثر من ثلثي المواطنين السودانيين من تغيير ما بحوزتهم من أموال نقدية ، ومنعوهم من الحصول على الأوراق الرسمية كالجواز والرقم الوطني وخلافه ، وحرموا مئات الآلاف من الطلاب من الجلوس للإمتحانات لا لذنب جنوه سوي إنهم ممن ينطبق عليهم قانون “الوجوه الغربية” وتفرعاته ، وهي سياسة رسمية هدفها إفقار مجتمعات بعينها بمنعهم من تداول العملة وقصف مواشيهم بالطائرات وتدمير مصادر المياه وحرق القري والفرقان والبوادي ، وتجهيل أبنائها بحرمانهم من التعليم والجلوس للإمتحانات، ومن لم يمت منهم بالطيران والمسيرات والسياسات التعسفية لابد أن يموت بالمرض والجوع بعد أن استخدموا الإغاثة كسلاح في الحرب لإبادة مجتمعات غرب السودان زرقتهم وعربهم على السواء.
●إن ما نشهده من مجاعة وموت يومي بالأمراض والجوع في مخيمات النزوح والمدن المحاصرة ، ورفض كافة دعوات الحوار والسلام ووقف إطلاق النار وفتح المسارات الإنسانية لتسهيل الإغاثة ، الهدف منه مواصلة مسلسل إعادة هندسة السودان والتغيير الديمغرافي الذي ظلوا يعملون على تنفيذه منذ 1956 ، وفي حال فشله فإن دولة البحر والنهر (دولة وادي النيل الكبرى) هي البديل الجاهز ، كما فصلوا جنوب السودان عندما تمسكت الحركة الشعبية بقيادة دكتور جون قرنق بمبدأ السودان الجديد على أنقاض السودان القديم المفروض بفوهة البندقية والسياسات الإستعمارية.
●إن الصفوة السياسية وأعوانها في بورتسودان يرسمون ملامح مشروعهم السياسي القائم على المحافظة على الإمتيازات التأريخية مهما كان الثمن، وكي يتحقق لهم ذلك لابد من القضاء على مجموعات سودانية محددة وإستئصال شافتها من الوجود، كونها أضحت عقبة كآداء في تحقيق تطلعاتهم واستمرار هيمنتهم ، مستخدمين سياسة الإفناء الذاتي “أضرب العبد بالعبد” التي ظلت حاضرة في كافة الحروب بالسودان منذ حرب أنانيا ون، وللأسف بغباء البعض أو جهلهم فقد تم إستخدامهم كأدوات وبنادق حرب بالوكالة ، وبموجب ذلك نقلوا الحرب إلى المسرح الذي خططوا أن تدور فيه لأطول فترة ممكنة “كردفان ودارفور” ، مستغلين كافة أشكال الحشد والتعبئة العنصرية لإيقاع أكبرر عدد من الضحايا من كافة أطراف الصراع للتخلص منهم جميعاً بضربة واحدة، ولم يتعظوا من استخدام ذات الحكومات الصفوية لشريط التماس من “الجبلين إلى أم دافوق”، الذي وقف بعناد ضد حركات التحرر الوطني منذ عام 1955، وفي النهاية أصبحوا عربان شتات مشكوك في إنتماؤهم ووطنيتهم…!!.
●إن حركة/جيش تحرير السودان قد قرأت المشهد بوعي إستراتيجي وعيون مبصرة ، فإتخذت مبدأ الحياد في هذه الحرب رغم الإغراءات والوعود، مؤكدةً أن بندقيتها ليست للإيجار وأن مواقفها غير معروضة للبيع ، وإنها سيدة قرارها، ولا تخطو أي خطوة قبل أن تعرف أين مصلحة الوطن والمواطن والأهداف والمباديء التي ثارت لأجلها، فإن هذا الموقف الوطني النبيل قد حفظ أرواح الملايين من المواطنين من كافة مناطق السودان الذين فروا من جحيم الحرب إلى مناطق سيطرتها التي تضم أكثر من 5 ملايين نازح ، وهي من أكثر المناطق أماناً واستقراراً في السودان بل تعتبر سوداناً مصغراً، فقد ضمت نازحين من دارفور وكردفان والنيل الأبيض والخرطوم والجزيرة ومن شمال وشرق السودان.
●إن حركة/ جيش تحرير السودان قد تعاملت مع هذه الحرب بمسؤولية وعقلانية وضبط نفس عالي، ولم تستجب إلى كافة الإستفزازات التي تهدف إلى جرها للتورط في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، وتعاملت مع الواقع بما يخدم مصالحها ومشروعها وخطها السياسي ، وفوق كل هذا وذاك مصلحة الشعب الذي تحت سيطرتها وتجنيبه الحرب ومآلاتها الكارثية؛ ولم تتعامل مع الحرب بإنتهازية أو مطامع شخصية أو حزبية مؤقتة ، ولم تثأر لثارات قديمة بل وضعت القضية الوطنية التي حاربت لأجلها نصب عينيها، فقد استسلم آلاف الجنود من الجيش وأكثر من مئات ضابط عظيم إلى قوات الحركة ، وتعاملت معهم وفق القوانين والمعاهدات الدولية أثناء الحرب، وكذلك تعاملت مع الدعم السريع في مناطق التماس بما يخدم مصلحة المواطنين وأمنهم واستقرارهم وفتح الطرق والمسارات وضبط حركة النقل والأسواق وتأمين قوافل الإغاثة، فلم يكن تفكيرها ينصب في تحقيق “فش غبينة” يجعلها تتحالف مع هذا ضد ذاك، بيد أن الجيش والدعم السريع كلاهما كانا يقاتلان الحركة ، ولكن حكمة القيادة ووطنيتها ونفاذ بصيرتها، جعلها تقف هذا الموقف الصحيح من التأريخ، لجهة أن نضال الحركة كان من أجل مشروع وهدف سياسي وليس خلاف مع أشخاص أو جماعات.
●في الآونة الأخيرة ظهرت مقاطع فيديو من مدينة نيرتتي، وهي عبارة عن إحتفالات لتخريج طلاب إحدى كليات جامعتي زالنجي والجنينة ، كون نيرتتي تحتضن بعض كلياتهما ، ومن ضمن النقد الذي قرأته أن بعض الأساتذة الذين ظهروا في الفيديو كان كوزاً…!!
نعم حركة/ جيش تحرير السودان لديها مشكلة وخلاف مع تنظيم الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني ونظامهم الذي سقط وسلطتهم الحالية في بورتسودان، وهذا معلوم بالضرورة لأي متابع للشأن العام ومواقف الحركة الرسمية، فلا تصالح أو سلام مع هؤلاء الأشرار “حتى يلج الجمل سُّم الخياط” لجهة إنهم أس المشكلة في السودان، وهم الذين أشعلوا الحروب بما فيها الحرب الدائرة الآن، وإرتكبوا جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب ضد شعبنا، حتى بات جل قادة نظامهم مطلوبين لدي المحكمة الجنائية الدولية ، ولابد من محاسبتهم على جرائمهم مهما طال الزمن، ولا شك في ذلك؛ من ناحية أخرى كون أن هنالك أستاذ أو مواطن كوز إحتمي بمناطق سيطرة الحركة، فإننا نتعامل معه وفق القانون وحقوق المواطنة المتساوية التي يجب ألا تخضع لأي معايير سياسية، فحقوقه الطبيعية كمواطن محفوظة طالما إلتزم بالقانون وموجهات السلطة المدنية بالأراضي المحررة، وأي تجاوز للمبادىء المعمول بها في الأراضي المحررة سيعرضه للمحاسبة وفق الجرم الذي يرتكبه، وليس لإنتمائه السياسي أو العرقي أو الديني أو الجغرافي، فإننا نناضل لأكثر من عقدين من الزمان من أجل إقامة سودان ديمقراطي علماني ليبرالي فيدرالي موحد، وبناء دولة المؤسسات وسيادة حكم القانون تكون فيها المواطنة هي الأساس الأوحد لنيل الحقوق واداء الواجبات، فكيف يجوز لنا أن ننتهك الحقوق الأساسية والطبيعية لمواطن سوداني إحتمي بمناطق سيطرتنا ، بناءًا على توجهه السياسي ، وهو لم يزاول أي نشاط سياسي سوي ممارسة مهنته في التدريس؟!
(إنها حركة/ جيش تحرير السودان يا سادة)…!!
11 يوليو 2025م