مقالات

جعفر محمدين يكتب .. العنصرية ضد سكان الكنابي في السودان : بنية تاريخية وثقافية تتطلب تفكيكًا شاملاً

العنصرية ضد سكان الكنابي في السودان: بنية تاريخية وثقافية تتطلب تفكيكًا شاملاً

د. جعفر محمدين عابدين
📧 gafertamok@gmail.com
📅 16 يوليو 2025م


العنصرية ضد سكان الكنابي في السودان ليست سلوكًا فرديًا معزولًا، بل هي بنية اجتماعية وثقافية وسياسية مترسخة، تستند إلى أيديولوجيات استعلائية تشكّلت عبر قرون، خاصة بفعل الإرث الثقيل للعبودية، والتهميش القائم على اللون والانتماء الإثني.


أبعاد المشكلة في السودان

  1. الإرث التاريخي للعبودية
    لعب الاستعباد دورًا محوريًا في تشكيل البنية الاجتماعية، حيث تعرضت مجموعات مثل الكنابي والديوم وغيرهم من ذوي الأصول الإفريقية إلى تهميش ممنهج. وقد ترسخت أنماط التمييز هذه في الوعي الجمعي، وما زالت تُلقي بظلالها الثقيلة على واقع اليوم في الدولة السودانية.
  2. هيمنة الهوية العربية
    روّجت الدولة لعقود طويلة لفكرة “الهوية العربية” بوصفها معيار الانتماء الوطني، مما أدى إلى تهميش المكونات ذات الأصول غير العربية أو البشرة الداكنة. والمفارقة أن “نقاء العرق العربي” في السودان هو وهم أيديولوجي، إذ إن المجتمع السوداني نتاج لتاريخ طويل من التعدد الإثني والهجرات والاختلاط.
  3. التمييز الهيكلي
    يتجلى التمييز البنيوي في حرمان سكان الكنابي من أبسط مقومات الحياة: المياه، الكهرباء، التعليم، والسكن الآدمي، إلى جانب غياب العدالة في توزيع الموارد، وضعف التمثيل السياسي، والنظرة الدونية في الخطاب الرسمي والعام. كل هذا يعمّق التهميش ويعزز الشعور باللاانتماء.
    كيفية المواجهة؟
  4. الاعتراف بالمشكلة
    لا يمكن تحقيق أي إصلاح دون اعتراف صريح بوجود عنصرية وتمييز بنيوي داخل مؤسسات الدولة. هذا الاعتراف يتطلب شجاعة سياسية، وإرادة حقيقية لإجراء إصلاحات شاملة تصوّب مواضع الخلل، وتبني أسسًا جديدة للعدالة والإنصاف.
  5. تبني خطاب وطني جامع
    ينبغي أن يُترجم شعار “السودان لكل السودانيين” إلى سياسات عملية تضمن المساواة في الفرص والحقوق، بدلًا من أن يبقى حكرًا على إثنيات محددة تسخّره لمصالحها، وتقصي بقية المكونات من مؤسسات الدولة.
  6. إصلاح التعليم والإعلام
    يجب على النظام التعليمي والإعلام الوطني أن يساهما بفعالية في تفكيك الخطابات العنصرية، وترسيخ قيم التعدد والاحترام والمواطنة المتساوية في الوعي المجتمعي، خاصة في المناطق الريفية والمهمّشة.
  7. العدالة الانتقالية
    لا بد من مراجعة شاملة لتاريخ التمييز والانتهاكات، من خلال آليات قضائية ومجتمعية، مثل المحاكمات أو لجان الحقيقة والمصالحة، لضمان رد الاعتبار للضحايا، خصوصًا من العمال الزراعيين وسكان الكنابي الذين ماتوا جراء القمع والتهميش.
  8. التمثيل العادل في الدولة
    ضمان تمثيل جميع المكونات الاجتماعية، وعلى رأسها سكان الكنابي، في مؤسسات الدولة وصنع القرار، ضرورة ملحة لتحقيق التوازن الاجتماعي، وكسر الاحتكار الإثني للسلطة.
    التحديات الكبرى
    مقاومة النخب المستفيدة من الوضع القائم، والتي ترى في التغيير تهديدًا مباشرًا لمصالحها.
    رسوخ العقلية المجتمعية التي تبرر التمييز باسم الدين أو العرف أو “الأصالة”.
    خطر تسييس القضية وتحويلها إلى صراع هويات، بدل التعامل معها كقضية عدالة اجتماعية ووطنية تخص الجميع.
  9. الخلاصة
    السودان ليس عرقًا واحدًا ولا لونًا واحدًا، بل هو وطن متعدد الإثنيات والثقافات والتجارب. والاعتراف بهذا التعدد ورفض كافة أشكال التمييز هو الخطوة الأولى نحو بناء سودان جديد، يقوم على المواطنة المتساوية، ويضمن الكرامة والحقوق لجميع السودانيين دون استثناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى