د.جعفر محمدين يكتب .. التغريب كسلاح للإقصاء السياسي والاجتماعي والاقتصادي ضد قوميات الكنابي في السودان

التغريب كسلاح للإقصاء السياسي والاجتماعي والاقتصادي ضد قوميات الكنابي في السودان
د. جعفر محمدين عابدين
📧 gafertamok@gmail.com
🗓️ 17 يوليو 2025م
السودان كجغرافيا وتاريخ متعدد الأعراق:
لم يكن السودان يومًا وطنًا ذا تركيبة إثنية أو ثقافية واحدة. بل هو نتاج تداخلات تاريخية طويلة ومعقدة، شاركت فيها مجموعات نيلية، زنجية، صحراوية، عربية، نوبية، أمازيغية وغيرها.
لقد كانت الهجرة، والتمازج، والتنوع، هي القاعدة الراسخة التي شكّلت الشخصية السودانية، لا الاستثناء.
سكان الكنابي وادعاء “الوافدية”:
ينحدر سكان الكنابي في الغالب من مناطق مثل دارفور، كردفان، النيل الأزرق، وجبال النوبة، ويشكلون امتدادًا طبيعيًا في معظم جغرافيا السودان. كما أن لبعضهم أصولًا من غرب إفريقيا، حيث استقروا في البلاد منذ قرون طويلة، لا سيما خلال عهد السلطنة الزرقاء، بل وحتى قبلها، في عصور الممالك المسيحية، مرورًا بالحقبة التركية المصرية، ثم الاستعمار البريطاني.
لقد ساهموا بجهدهم ودمائهم في بناء السودان الحديث، وكان لهم دور بطولي في مقاومة الاستعمارين التركي والبريطاني، خاصة خلال معارك الدولة المهدية مثل:
كرري، شيكان، وتوشكي، وغيرها من الملاحم التي خلدت أسماء أجدادهم في سجل الفداء الوطني.
وجودهم في السودان ليس ظرفًا طارئًا، بل هو تاريخ ضارب في الجذور.
إنهم شركاء أصيلون في نهضة البلاد، ساهموا في الزراعة، وبناء السكك الحديدية، والخدمة العسكرية، والتعليم، وسائر مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
من يملك حق الحديث عن “الأصالة”؟
من المفارقات أن من يرفعون لواء “الأصالة” اليوم، ويصنفون غيرهم كـ”غرباء”، هم أنفسهم ينحدرون من موجات هجرة عربية، تركية، أو شامية، دخلت السودان بعد الإسلام، أو خلال فترات الدولة السنارية والتركية.
إنّ مفهوم “الأصالة” في هذا السياق لا يُستخدم للدفاع عن الوطن أو حماية هويته، بل يُوظّف كأداة إقصاء سياسية وثقافية، لترسيخ امتيازات طبقية وجهوية على حساب مكوّنات سودانية أصيلة وفاعلة.
خطورة خطاب “الأصالة” و”الوافدية”:
المفارقة أن المجموعات التي تتحدث عن الكنابي على أنهم “وافدون”، هي ذاتها وفدت إلى السودان في فترات متأخرة نسبيًا، خصوصًا في بدايات العهد التركي.
هذا الخطاب يُستعمل لتبرير:
الإقصاء السياسي،
مصادرة الأراضي،
حرمان المواطنين من الخدمات الأساسية،
وأحيانًا حتى شرعنة العنف والتمييز العرقي.
إنه خطاب عنصري في جوهره، يتناقض مع أبسط مبادئ المواطنة المتساوية، ويقوّض فكرة الدولة المدنية الحديثة التي تُبنى على الحقوق والعدالة، لا على وهم “النقاء الإثني”.
خاتمة:
كل من استقر في السودان وساهم في بنائه هو سوداني كامل الحقوق،
سواء جاء من الغرب أو الشرق، من دارفور أو من الشام، من كردفان أو من الجزيرة.
السودان ليس مزرعة لفئة تحتكر الأرض والهوية،
بل هو وطن لجميع مواطنيه، تُبنى وحدته على قاعدة العدالة والتنوع والتاريخ المشترك، لا على الامتيازات الزائفة أو الإقصاء القائم على أوهام “الأصالة”