الاتحاد الأوروبي يعاقب كيكل : بداية دولية نحو تحقيق العدالة لضحايا انتهاكات الكنابي

الاتحاد الأوروبي يعاقب كيكل: بداية دولية نحو تحقيق العدالة لضحايا انتهاكات الكنابي
د. جعفر محمدين عابدين
📧 gafertamok@gmail.com
🗓️ 19 يوليو 2025م
خطوة أولى في مسار العدالة الدولية
تمثل العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على قائد مليشيا ما يُعرف بـ”قوات درع السودان” (المعروفة بمليشيا كيكل) خطوة أولى بالغة الأهمية في مسار العدالة لضحايا الانتهاكات من سكان الكنابي، الذين عانوا لعقود من جرائم ممنهجة في قلب السودان، تحت غطاء من التهميش والصمت الرسمي.
لقد عاش سكان الكنابي—وأغلبهم من قبائل دارفور وكردفان وجبال النوبة—تحت وطأة تمييز بنيوي، وعنف متكرر طال أجيالًا متعاقبة، غالبًا بغطاء من الصمت أو التواطؤ من الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال.
جريمة بابنوسة 1996: محرقة الشريف يعقوب
لا يمكن تناول سجل الجرائم ضد سكان الكنابي دون التوقف عند واحدة من أبشع الفظائع في تاريخ السودان الحديث: جريمة بابنوسة، بوحدة الشريف يعقوب بمحلية أم القرى، ولاية الجزيرة، فجر 19 يناير 1996م.
في تلك الليلة، قامت مجموعة مسلحة بمحاصرة خلاوى لتحفيظ القرآن الكريم، وأضرمت النار فيها، مما أسفر عن استشهاد 27 طالبًا—all من أبناء قبيلة التاما—بينما كانوا يتلون آيات الله في خشوع داخل الخلوة.
ورغم فتح بلاغ جنائي، تعرض المحامي الموكل بالدفاع عن الضحايا لتهديدات مباشرة، وتم طمس الملف والتستر عليه، في واحدة من أوضح مظاهر الإفلات من العقاب في السودان.
جرائم مليشيا كيكل بعد اندلاع الحرب.
مع اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 2023، تجددت الانتهاكات ضد سكان الكنابي بشكل أشد قسوة، خاصة على يد مليشيا كيكل (درع السودان)، الموالية للجيش.
فقد شنت هذه المليشيا هجمات على تجمعات الكنابي، أبرزها كمبو طيبة بشرق أم القرى، ارتُكبت خلالها جرائم بشعة شملت:
اغتصاب نساء وفتيات
ذبح شباب أمام أسرهم
قتل الشيوخ
التهجير القسري لعشرات العائلات
وتشير التقارير الميدانية إلى تكرار هذه الجرائم في عدة مواقع، منها:
كمبو طيبة
قرية الحديبة
دار السلام
كمبو 16
وتجمعات أخرى في ولاية الجزيرة
أهمية العقوبات الأوروبية
العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي تُعد تحولًا نوعيًا، ليس فقط في الموقف الدولي من جرائم السودان، بل أيضًا:
اعترافًا رسميًا بوجود جرائم ضد الإنسانية تُرتكب بحق سكان الكنابي
بداية لكسر منظومة الإفلات من العقاب
رسالة واضحة للمجرمين بأن العدالة قد تتأخر، لكنها قادمة
ومع ذلك، فإن هذه الخطوة وحدها لا تكفي. المطلوب الآن:
تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة حول الجرائم في الكنابي
توسيع قائمة العقوبات لتشمل مسؤولين سياسيين وعسكريين متورطين
الضغط على السلطات السودانية لتسليم المتهمين للعدالة.
في الختام: لا عدالة بدون تفكيك البنية العنصرية
ما تعرض له سكان الكنابي عبر العقود ليس مجرد “تجاوزات محلية”، بل نتيجة لبنية عنصرية مترسخة في مؤسسات الدولة، أدّت إلى إقصاء اجتماعي وسياسي واقتصادي ممنهج.
تحقيق العدالة يتطلب:
تفكيك هذه البنية العنصرية
الاعتراف العلني بالجرائم المرتكبة
إنصاف الضحايا وجبر ضررهم
إصلاحات دستورية تضمن المساواة والتمثيل العادل
لا يمكن بناء سودان جديد عادل ومتعدد، ما لم يُنصف ضحايا الكنابي، ويُحاسب الجناة، وتُستعاد كرامة المجتمعات المهمشة.