سياسة

تحليل .. لماذا تفشل اتفاقيات السلام في السودان؟

لماذا تفشل اتفاقيات السلام في السودان؟


سُلطة بلا مشروع وكيان بلا هوية: الآثار العميقة للمحاصصة
(7)


تحليل: حسين سعد


البدائل والحلول المقترحة لتجاوز المحاصصة وتحقيق الإستقرار في السودان إذا كان من الدروس الكبرى التي قدّمتها التجربة السودانية أن المحاصصة ليست طريقًا نحو الإستقرار، بل نحو الإنقسام، فإن تجاوز هذا النموذج لا يمكن أن يتم بعزل طرف أو فرض إرادة قسرية، بل يتطلب رؤية وطنية شاملة، جذرية وعملية، تبني دولة تقوم على المواطنة، والكفاءة، والمؤسسات.

في ما يلي أبرز الحلول والبدائل الممكنة هي :صياغة مشروع وطني جامع لابد من عقد سياسي–اجتماعي جديد يعبّر عن كل السودانيين، لا عن القوى الموقعة على اتفاق سياسي أو المستفيدة من نزاع مسلح، يتطلب هذا المشروع الاعتراف بالتنوع.

لكن في إطار الوحدة، على أساس المواطنة المتساوية لا الحصص الجهوية أو الإثنية، يجب أن يتضمّن هذا المشروع رؤية واضحة لتوزيع الموارد والسلطة، تقوم على العدالة التنموية والتمييز الإيجابي، لا المحاصصة، والإصلاح المؤسسي وإعادة بناء الخدمة المدنية إلغاء التعيينات السياسية في مفاصل الدولة، ووضع نظام شفاف للتوظيف قائم على الكفاءة والجدارة، وتطهير مؤسسات الدولة من المحسوبية والتسييس، وإعادة بناء جهاز الدولة المهني والمحايد، وتقوية ديوان شؤون الخدمة، والمفوضيات الرقابية، لضمان نزاهة التوظيف وإعادة الاعتبار للمؤسسات.


منع تعدد الجيوش:


تفكيك وتوحيد الأجهزة العسكرية لا استقرار دون جيش وطني واحد محترف، يخضع للقيادة المدنية المنتخبة، ويضم الجميع وفق عقيدة وطنية، ينبغي حلّ أو دمج كل القوات والمليشيات والحركات المسلحة في مؤسسات نظامية واحدة عبر خطة إصلاح أمني شامل، منع ازدواجية القوة، وسحب السلاح من الفضاء السياسي، وإصدار قانون يمنع تكوين قوات موازية مستقبلًا، وإصلاح النظام السياسي والحزبي تشجيع التحول من أحزاب تقوم على الجهوية والقبلية إلى أحزاب وطنية ذات برامج سياسية ومجتمعية.

وفرض قواعد قانونية للتمثيل السياسي تمنع المحاصصة المباشرة وتربط المشاركة بمعايير واضحة للبرامج والسياسات، وتبني نظام انتخابي عادل وشامل، يضمن التمثيل دون تكريس الفئوية، كالنظام المختلط بين القائمة النسبية والدوائر الفردية، أجراء حوار وطني شامل – لا صفقة بين نخب لا بد من إطلاق عملية حوار وطنية حقيقية، لا تقتصر على الأحزاب أو الحركات المسلحة، بل تشمل النقابات، لجان المقاومة، النساء، الشباب، والمجتمعات المحلية، يجب أن تكون نتائج الحوار ملزمة، وتفضي إلى بناء شرعية جديدة تضع الأسس لدستور دائم وانتخابات حرة، وقف أي مساعٍ لعقد صفقات مغلقة أو اتفاقات فوقية لا تعبّر عن إرادة الشارع السوداني.


العدالة الإنتقالية:


العدالة الانتقالية والمساءلة لا يمكن بناء استقرار حقيقي دون معالجة مظالم الماضي، ومحاسبة من تورطوا في الفساد والجرائم، وإنشاء مفوضية مستقلة للعدالة الانتقالية، تديرها شخصيات نزيهة ومشهود لها، تعمل على جبر الضرر وإعادة بناء الثقة في مؤسسات الدولة، ومحاسبة أي مسؤول يثبت تورطه في سوء استخدام السلطة، بغض النظر عن الجهة التي ينتمي إليها، وإطلاق مشروع تنمية متوازن لا يكفي الحديث عن عدالة سياسية دون تحقيق عدالة تنموية.

يجب وضع خطة استراتيجية لتنمية الأقاليم والمناطق المهمشة، وربط مشروعات التنمية بآليات مشاركة مجتمعية، بعيدًا عن المحاصصة الجهوية، لضمان استدامتها ومصداقيتها، وضمان التوزيع العادل للموارد والثروات، بما في ذلك النفط، الذهب، والزراعة، ضمن إطار مؤسسي شفاف، وووقف العمل بنظام المحاصصة في كل ترتيبات الحكم الانتقالي والدائم، واعتماد مبدأ الكفاءة والتمثيل البرامجي في التعيينات.

وإطلاق حوار وطني شامل ومستقل، لا تهيمن عليه النخب التقليدية، وتُشارك فيه كل مكونات المجتمع السوداني، وخاصة الشباب، النساء، والنقابات المهنية، وإعادة هيكلة القوات النظامية ودمج كل القوات الموازية في جيش وطني واحد بعقيدة موحدة وتحت قيادة مدنية، صياغة دستور دائم يقوم على مبادئ المواطنة والمساواة، يحمي الحقوق والحريات، ويمنع تكريس السلطة في يد أي مكون أو جهة، إطلاق مشروع وطني للتنمية المتوازنة، يعالج التفاوتات التنموية بين المركز والهامش من جذورها، تكوين مفوضية للعدالة الإنتقالية ودعمها لضمان عدم الإفلات من العقاب، وتعزيز الثقة في المؤسسات، وإعادة بناء النظام الحزبي على أسس وطنية، وتشجيع قيام أحزاب حديثة تتجاوز الاصطفاف الجهوي والإثني.


الخاتمة:


لقد جرب السودان أنصاف الحلول التي تُقسم الوطن إلى حصص ضيقة، ووجد أن هذه الحلول ليست إلا شباكًا تخنق حلم التقدم والاستقرار، إن المحاصصة، في جوهرها، ليست سوى مرآة تعكس هشاشة بنيان الدولة، وعدم اكتمال بناء الهوية الوطنية الجامعة التي تضيء الطريق نحو السلام والتنمية. لا يمكن للبلد أن يرتقي أو يزدهر وهو يعيش في دائرة مفرغة من التنازع على النفوذ والتقاسم غير العادل للسلطة والموارد، إن التاريخ لن يمنح السودان فرصة ثالثة ليكرر نفس الخطأ، فالمستقبل ينتظر من شعبه وقادته أن يجرؤوا على الحلم الأكبر: دولة قوية، موحدة، تُسعِد كل أبنائها، ولا تفرقهم.

دولة تُبنى على العدالة والمواطنة، لا على المحاصصة والهويات الضيقة، إن التحرر من قيود المحاصصة ليس مجرد خيار سياسي، بل هو الثورة الحقيقية التي يحتاجها السودان، إنه نداء يخرج من عمق الأرض، ومن نبض الناس، ومن صدق الأحلام التي لا تعرف المستحيل. كل خطوة نقطعها نحو دولة المواطنة، نحو العدالة الحقيقية، نحو مؤسسات متينة، هي خطوة نحو مستقبل مشرق تُكتب فيه فصول جديدة من السلام والازدهار .


السودان ليس مجرد مساحة جغرافية أو مجموعة من القبائل والأقاليم ، بل هو قصة إنسانية عظيمة، وشعب يحمل في قلبه روح الكفاح والصبر، وروح حلم لا يموت بالحرية والكرامة اليوم، السودان أمام مفترق تاريخي لا يحتمل التردد أو المراوحة. هل سيختار أن يظل أسير لعبة الحصص والمنافع الضيقة؟ أم سيختار أن يضع يدًا بيد نحو وطن جديد يليق بتاريخ أجداده وبأحلام أبنائه؟ لذلك، فإن مسؤولية هذه اللحظة ليست على عاتق قادة أو أحزاب فقط، بل على كل سوداني وسودانية، يحملون في قلوبهم حب الوطن، ويؤمنون أن التغيير الحقيقي يبدأ عندما يتوقف الجميع عن حساب الحصص، ويبدأ بحساب الأمل (يتبع)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى