المقابر الجماعية تكشف فظائع حرب السودان ..!!

المقابر الجماعية تكشف فظائع حرب السودان!!
من التراب إلى المحكمة: كيف توثق الجرائم !!
تقرير:حسين سعد
في كل حرب، هناك ضحايا لكن في حرب السودان، هناك ضحايا بلا أسماء، قبور بلا شواهد، وصرخات مكتومة تحت التراب، فالمقابر الجماعية التي ظهرت، والتي لا تزال مخفية في عمق الأرض، ليست مجرد مآسي صامتة، بل جروح مفتوحة في الجسد السوداني، ووصمة في ضمير الإنسانية جمعاء، هذه المقابر لم تتشكل فجأة، بل كانت النتيجة البشعة لمسار طويل من الحرب والنزاع، والدمار، والتغاضي عن الكرامة الإنسانية، خلف كل حفرة عميقة، هناك قصة إنسان فُقد، وبيت تهدّم، وأمّ لم تجد جسد ابنها كي تبكيه كما يليق.
إنها ليست مجرد أرقام أو إحصائيات عابرة في نشرات الأخبار، بل وجوه كانت تعيش وتحب وتحلم… ثم اختفت، ما رأيناه في مناطق النزاع، من دارفور إلى كردفان والخرطوم، والجزيرة وسنار وسنجة ،لم يكن فقط قتالًا على السلطة، بل كان إقتلاعًا للجذور، وإستباحة للحياة، وتجاهلًا تامًا لكل القيم الأخلاقية والمواثيق الدولية.
المقابر الجماعية ليست من صنع الطبيعة، بل من صمت العالم، ومن عجز المؤسسات، ومن تغوّل السلاح على الضمير.
الموت الجماعي:
مع غروب الشمس على أطراف المدن السودانية المنكوبة، لا تزال الأرض تحتفظ بأسرارها الثقيلة، حفنة تراب هنا، بقايا قماش هناك، وعظام صامتة تخبر قصة لا تحتاج إلى كلمات، في تلك المقابر الجماعية، دُفنت أجساد كثيرة، لكن الأمل لم يُدفن معها، وراء كل قبر جماعي، هناك أم ما زالت تنتظر، وأب لم يتوقف عن السؤال، وأطفال لا يعرفون إن كانوا أيتامًا أم فقط ينتظرون الحقيقة.
وبينما تتراكم الأرقام، علينا ألا ننسى أن كل رقم كان إنساناً.. كان حياة، ليست المقابر الجماعية نهاية القصة، بل بدايتها. بداية لمسار طويل نحو العدالة، نحو الكشف، والمحاسبة. فالصمت الذي يلفّ تلك الحفر لن يدوم، لأن الذاكرة أقوى من الموت، ولأن الحقيقة – مهما تأخرت – لا تُدفن ، ربما لا نملك أن نُعيد الحياة لمن فُقدوا، لكننا نملك أن نروي قصتهم. وبهذا، نُبقيهم أحياءً…في الوجدان، وفي صفحات التاريخ.
قبور بلا أسماء :
في مشهد يلخص حجم المأساة والدمار الذي خلفته الحرب، تحولت الساحات العامة، والميادين الرياضية، وحتى فناءات المدارس، إلى مقابر جماعية لضحايا الحرب في عدد من المدن والقري السودانية، خاصة في، العاصمة الخرطوم وولايات دارفور والجزيرة ، هذه الظاهرة، التي هزت الضمير الإنساني، تعكس الإنهيار التام للنظام الصحي، وغياب خدمات الدفن النظامية، وعجز السلطات عن إدارة الأزمة الإنسانية المتفاقمة ، سط كل هذا، تتصاعد الأصوات المطالبة بتدخل دولي فوري لتأمين وتنظيم عمليات الدفن، وتوثيق أسماء الضحايا، ومنع طمس الأدلة، لان وجود المقابر الجماعية علامة دامغة على الكارثة الإنسانية التي تعصف بالبلاد، إنها ليست مجرد مأساة حرب، بل جريمة ضد الذاكرة الجمعية والكرامة الإنسانية، وبينما يُدفن الضحايا في صمت، يظل السؤال معلقاً: متى يتوقف هذا الجنون؟ ومتى تُفتح ملفات الحقيقة والعدالة؟
العدالة المدفونة:
في يونيو الماضي كشف مولانا علاء الدين خليفة محمد، رئيس نيابة مدني شرق، عن العثور على مقبرتين جماعيتين داخل سينما الزمالك بمدينة مدني، وتضم المقبرتان رفات طلاب ومعلمين لقوا حتفهم نتيجة التعذيب في معتقلات الدعم السريع ، وقال مولانا علاء الدين خليفة محمد لوكالة( سونا) أن القوات المشتركة تمكنت من إستخراج ما بين (10) إلي (11) جثة، حيث تم التعرف على (4) منها من خلال ملابسهم بواسطة ذويهم.
وكانت السطات المختصة في ولاية الجزيرة قد عثرت على مقابر جماعية في مناطق متفرقة ، بالقرب من السجن القومي، وفي حديثه أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف أشار النائب العام في السودان، الفاتح طيفور، إلي وجود (965)مقبرة جماعية، وبحسب سودان تربيون فقد تم حصر (117) مقبرة جماعية ، وقال مسؤول في حكومة ولاية الخرطوم لـ (سودان تربيون)، إن الحرب في الخرطوم فرضت نشوء مقابر جديدة، مؤكدا دفن عشرات الجثث داخل المنازل والشوارع لم يتم التعرف عليها بعد وحصرها.
وأوضح المسؤول أن من بين الجثث المستخرجة من المقابر الجديدة في الساحات والشوارع جثث عسكريين من الجانبين، أعيد دفنهم في مقابر معروفة، وفي وقت سابق ناشد سكان منطقة الـبـراري وزارة الصحة والجهات المختصة بالتدخل الفوري والعاجل لنبش الجثامين المدفونة داخل الأحياء السكنية، قبل حلول فصل الخريف، تفاديا للأمراض والأوبئة التي قد تنتج عن تحلل هذه الجثث وسط المناطق السكنية ، إلي ذلك نشرت لجان مقاومة بانت شرق قد نشرت في حسابها على( فيسبوك) صورًا لفناء دار لجان الخدمات بالحي، والذي تحول إلى مقبرة جماعية.
وأوضحت صور حديثة بالأقمار الإصطناعية لمدينة الخرطوم، وفي أقليم دارفور ، وفي وقت سابق قال مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان أنه تلقى تقارير (موثوقة) عن وجود ما لا يقل عن (13) مقبرة جماعية في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور والمناطق المحيطة بها.
الخاتمة:
وسط كل هذا الخراب، يبقى أمل صغير لا يموت، أن تُعاد للضحايا أسماؤهم، وأن تتحول المقابر الجماعية إلى ذاكرةٍ جماعية، لا إلى نسيان منظم، فربما لا يمكننا أن نعيد الحياة لمن غابوا، لكن بإمكاننا أن نمنحهم كرامة الموت، وحق أن تُروى قصصهم، بكل ما فيها من ألم، وحقيقة، ووجع، وشجاعة، هذا الواجب لا يقع على الصحافة وحدها، بل على المجتمع، على الدولة، وعلى العالم، لأن المقابر الجماعية، وإن كانت تُحفر في التراب، فإن آثارها تمتد عميقًا في نفوس الأحياء.
كما إن العدالة لا تتحقق من تلقاء نفسها بل تُبني بالصوت والصورة وبالشهادات وبالإصرار ، لان الحقيقة هي أول الطريق نحو محاسبة القتلة وجبر ضرر الناجين ، وبناء سلام لا يقوم علي النسيان بل بالإعتراف والإنصاف