الاديب شقيفة يكتب .. الصواني والمراحيل : جدلية الصراع بين الراعي والمزارع في السودان

الصواني والمراحيل: جدلية الصراع بين الراعي والمزارع في السودان
الاديب شقيفة
تُعد العلاقة بين الراعي والمزارع من أكثر العلاقات تعقيدًا في الريف السوداني، حيث يتقاطع نمطان اقتصاديان واجتماعيان مختلفان في الجغرافيا والموارد. فـ”الصواني” ترمز إلى الأرض المزروعة والمستقرة، بينما “المراحيل” تشير إلى مسارات الرعاة المتنقلة بحثًا عن الماء والكلأ. وبينهما تنشأ كل عام توترات، تتحول أحيانًا إلى نزاعات دامية، تهدد السلم المجتمعي وتؤثر على الإنتاج الزراعي والحيواني معًا.
جذور المشكلة:
هذه الإشكالية ليست وليدة اللحظة، بل تعود جذورها الي التاريخ، البعيد حيث اعتمد الرعاة على التنقل الموسمي وفقًا لمواسم المطر، في حين بدأ المزارعون بتثبيت الملكية الزراعية. ومع ازدياد عدد السكان، والتغييرات المناخية، والتوسع الزراعي، ضاقت المراحيل وتقلصت المساحات المفتوحة، وأصبح التصادم حتميًا بين النمطين.
الراعي… ليس متعديًا:
الراعي لا يبحث عن الصراع، بل يسعى وراء الحياة لماشيته، وكثيرًا ما يضطر للمرور عبر الصواني دون نية الإضرار، نتيجة غياب ممرات واضحة للرعي أو شح الموارد، أو حتى نتيجة لضعف التنسيق بينه وبين المجتمعات الزراعية.
والمزارع… ليس عدوًا:
المزارع بدوره يزرع أرضه في مواسم محددة، ويخشى على محاصيله من التخريب، وهو محق في ذلك. لكن غياب المسارات المنظمة للرعاة يدفعه أيضًا إلى الاتهام والاحتقان.
ما بين الطرفين: تقصير الدولة:
الحقيقة أن أحد أبرز مسببات هذا الصراع هو غياب التخطيط المؤسسي والتنظيم القانوني لمسارات الرُحل، وفشل الحكومات في رسم خارطة دقيقة للمراحيل، وتخصيص أراضٍ محمية للرعي، وبالمقابل حماية الصواني من التعدي.
الحلول الممكنة:
- ترسيم المراحيل رسميًا: وتحديدها جغرافيًا بواسطة السلطات المحلية والمركزية بالتشاور مع المجتمعات.
- موسمية الاستخدام: يجب تحديد مواعيد واضحة لدخول الرعاة إلى المناطق الزراعية بعد نهاية الحصاد.
- إنشاء لجان وساطة محلية: تتكوّن من كبار المزارعين والرعاة، لحل النزاعات قبل تصاعدها.
- القانون الرادع والعادل: يجب أن يكون هناك قانون يُحاسب من يعتدي على المزارع، كما يحمي الراعي من التعسف.
- برامج توعية وتعايش: نشر ثقافة الشراكة بين الرعي والزراعة من خلال المدارس، والإذاعات المحلية، ومنظمات المجتمع المدني.
خاتمة:
إن الصراع بين الصواني والمراحيل ليس صراعًا وجوديًا، بل هو انعكاس لسوء إدارة الموارد. فحين نُعيد صياغة العلاقة بين الأرض والماء والإنسان عبر عدالة في التوزيع، ورؤية تنموية شاملة، يمكن أن يتحول الصراع إلى شراكة، والمخاوف إلى ثقة، والدموع إلى إنتاج مشترك. فالسودان يحتاج للجميع… للراعي، كما للمزارع.