محمد عبدالرحمن (بوتشر) يكتب .. السلام الإجتماعي والشخصية المأزومة

السلام الإجتماعي والشخصية المأزومة
بقلم: محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)
●إن السلام الإجتماعي يمكن تعريفه ب”حالة الأمن والإستقرار والسلم الذي يسود مجتمع من المجتمعات “.
●أما الشخصية المأزومة؛ “هو ذلك الكائن البشري الذي يعاني من أزمات مركبة بنيوية ونفسية، وإضطرابات عميقة أفقدته توازنه وثقته بنفسه والقدرة على التفكير السليم, مما يخلق حالة من التوهان والتوتر والصراع الداخلي، يتمظهر في العنف اللفظي والمعنوي , وإنحسار عملية الحوار كأسلوب إنساني عصري, وتغييب مبدأ التسامح والعقلانية في تناول القضايا الخلافية , مما يُولِّد متلازمة الكسل وعدم الإبداع في إبتكار الحلول السلمية للأزمات ” وهذا التعريف يمكن أن نطلقه على الأفراد والمجتمعات على السواء.
●إن الشخصية المأزومة تستمرأ دور الضحية على الدوام ، وتختلق أعداء وهميين، تخوض معهم معارك صفرية، وهذا النوع من المعارك أي يعافها أي عاقل ولا يخوض في وحلها ، وهي تشبه عراك شخص ما مع حيوان الكدروك “الخنزير” في الوحل؛ ففي كلتا الحالتين هو الخسران، لأن “الكدروك” ليس لديه ما يخسره إذا كسب المعركة أو خسرها…!!.
●إذا أخذنا نظرة إلى ما يكتبه “بعض النشطاء” في السوشيال ميديا من بوستات مقروءة أو مصورة أو عبر لايفات تحت مسمي “حرية الرأي” لا تعدو أن تكون إلا سموماً تؤجج نيران الكراهية والعنصرية العرقية والدينية والجهوية , محشوة بالعنف اللفظي وخادش الكّلِم، لا يمكن أن يصدر من إنسان سوّي يمتع بقدر قليل من العقل والتعقل، فإن عملية إيصال أي فكرة أو رأي لا يحتاج إلي فاحش قولٍ أو “لسان زفر” ، فقوة المنطق هي التي تجعل المنطق منطقاً وليس منطق القوة أو السباب والشخصنة الموغلة في الإنحطاط، ومثل وهذا الفعل والسلوك لا يصدر إلا من شخصية مأزومة تعاني من صراع نفسي حاد…!!.
●أعتقد جازماً أن تجليات الأزمة الوطنية المتراكمة لها سهمٌ في صيرورة هذه الشخصية المأزومة، لجهة أن الأزمات مرتبطة ببعضها البعض؛ سياسية/إقتصادية/أمنية/إجتماعية؛ وكذلك أن الحروب وما تخلّفه من دمار مادي ومعنوي ، تؤثر بشكل مباشر على المجتمعات وأنماط السلوك البشري ، وهذا يحتاج إلى علاج ناجع للإضطرابات والصدمات وفق نهج علمي ، وللأسف نجد أن جميع الإتفاقيات والتسويات السياسية التي تم توقيعها لم تتعرض أو تهتم بهذا الجانب من الأزمات الملازمة للصراعات العنيفة، فإن السلام السياسي الذي يتم توقيعه بين الفرقاء لن يحقق سلاماً وإستقراراً مستداماً بمعزل عن السلام الإجتماعي وإعادة التأهيل النفسي والمعنوي للمجتمعات التي تعرضت لحروب الإبادة والتطهير العرقي , لأن الحروب وأهوالها ثؤثر بشكل مباشر على من يعايشونها إذا كانوا من المقاتلين أو المدنيين.
فلابد من إيلاء عملية علاج “تروما” الحروب إهتماماً بالغاً ، ووضع مشاريع وبرامج علمية من جهات مختصة ، وفوق كل هذا وذاك الإعتراف بدورها وآثارها المدمرة للأفراد والمجتمعات والبلدان.
●للوصول إلى سلام شامل وعادل ومستدام لابد من مراعاة الجذور التأريخية للأزمة، وما أفرزته الحروبات من دمار نفسي ومعنوي لضحاياها؛ وهذه القضايا هي حزمة متكاملة لا تحتمل التبعيض أو التقليل من آثارها الكارثية، فإن تمتين الحس والوجدان الوطني المشترك ، وإعلاء قيم الحوار والتسامح ، والإعتراف بالآخر كشريك في الوطن، والإقرار بحقوقه وواجباته المتساوية؛ هو الذي يقود إلى بناء البلدان الآمنة والمستقرة والمزدهرة.
●إن معالجة الآثار السلبية للشخصية المأزومة، وللحيلولة دون انتشارها حتي تصبح ثقافة سائدة تنشر سمومها بين الأفراد والمجتمعات، لابد أن يكون هنالك رادع تثقيفي توعوي، يغرس مفاهيم الأنسنة والأخلاق في هذه الشخصية المشوهة، ورفع الوعي بالحقوق ومعرفة كنهها وحدودها ، والتعريف بأن مثل هذا السلوك هو إنتهاك للقانون والقيم البشرية السوية ، فإن أغلب دول العالم قد سنت تشريعات وقوانين تحارب مثل هذه الظواهر التي تنتهك حقوق وحرمات الأفراد والجماعات ، فلا توجد حرية مطلقة تقول أو تكتب ما تشاء كيفما تشاء، والمؤسف أن ثقافتنا المحلية وتعاملها وتساهلها مع هكذا قضايا، قد ساعد في إنتشار مثل هذه الظواهر والأفكار الموتورة التي نراها ونقرأها يومياً حتي كدنا أن نتعايش معها…!!.
“أقبِل على النفسِ واستكمل فضائلها…فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانٍ “
(أبو الفتح البستي)
23 يوليو 2025م