إجتماعات الرباعية : حسابات النفوذ والمصالح هل تنجح في وقف الحرب!!

كتب :حسين سعد
ينعقد بنهاية الشهر الحالي إجتماعات واشنطن التي تشارك فيها المجموعة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة والإمارات والسعودية ومصر، وتاتي إجتماعات الرباعية في ظل إستمرار حرب منتصف أبريل 2023م ، وتفاقم الأزمة الإنسانية والجوع الذي يهدد السودانيين والسودانيين.
بحسب تقارير المنطمات الإنسانية العالمية والمحلية ، والإنتهاكات التي طالت حقوق الإنسان فضلاً عن الإنقسامات الحادة وتمدد خطاب الكراهية ووجود سلطتين في السودان، وسبق وإن فشلت محاولات عديدة سابقة لطي صفحة الحرب في بلاد النهرين، تلتئم إجتماعات الرباعية في ظل تعقيدات تتمثل في الأمن الإقليمي، وممرات البحر الأحمر، والموارد، والهجرة غير الشرعية ، ومكافحة الإرهاب، مع ضغطٍ إنساني غير مسبوق داخل السودان وفي جواره، هذا التحليل يقدم قراءة لدوافع الأطراف الأربعة، ويشرح القيود التي تفرضها صيغة (مفاوضات بلا أصحاب المصلحة المباشرين)، ثم يطرح أربعة سيناريوهات محتملة لمسار الإجتماعات ونتائجها، مع مؤشرات ترجيح تحققها وفشلها.
ربما فضلت الرباعية عقد إجتماعاتها بدون العسكريين والمدنيين، لجهة نجاح جلساتها بعيدا ً عن تداعيات الإنقسامات الحادة التي ضربت القوي السياسية والمدنية والنقابية ، وإختبار الأرضية المشتركة بين العواصم الأربع قبل الدخول في حقل ألغام الانقسامات السودانية، تحتاج الرباعية لتقليص فجواتها الداخلية (خاصة بين مقاربات واشنطن/الرياض من جهة، وأبوظبي/القاهرة من جهة أخرى) وإدارة الكلفة السياسية للمشاركة المباشرة للأطراف السودانية التي ربما قد تُحمِّل الرباعية مسؤولية علنية عن الفشل.
بينما الإجتماعات التحضيرية المغلقة تمنحها (مساحة مناورة) والعمل من أجل الإتفاق علي ألية إقليمية مثل الاتحاد الافريقي والايغاد قبيل فتح الباب أمام مفاوضات شاملة ، لكن هنالك مشكلة تتمثل في غياب أصحاب المصلحة الحقيقيون للصراع عن الطاولة وهذ ما يفجر مشكلة، ويزيد خطر إنتاج حلول (فوقية) قصيرة الأجل لا تصمد على الأرض ولا أمام الشارع المدني، أمريكا الفاعل الرئيسي تري مصالحها من خلال عدم تفكك السودان وتحوله لمنصة نفوذ خصومها (روسيا/فاغنر، الصين) وتأمين البحر الأحمر، فضلاً عن إنتشار السلاح وتمدد المجموعات المسلحة ،لذلك لجأت لفرض عقوباتها، وإستخدام نفوذها عبر المؤسسات المالية الدولية، وهي تنسيق بحذر مع الرياض.
أما المملكة العبية السعودية فهي تريد المحافظة علي دور الوسيط (منبر جدة) خوفاً من نقل الملف إلي دول أخري ،فضلاً عن أن إطالة أمد الحرب قد يسبب لها إرهاق ومشاكل لقرب حدودها البحرية ، أما الامارات فهي تتخوف من تمدد الإسلاميين وتعمل من أجل حماية مصالحها وحجز مقعد فاعل لها لفترة ما بعد الحرب ، أما حسابات مصر فهي تحاول منع قيام نظامٍ معادٍ على حدودها الجنوبية، تحييد الإسلاميين، ضبط حركة اللاجئين والسلاح تفكك السودان إلى كيانات مسلحة، أو صعود قوى معادية للمؤسسة العسكرية السودانية التقليدية نفوذ أمني/استخباري، تحالفات داخل جزء من المؤسسة السودانية، تنسيق مع عواصم عربية أي صيغة تُقصي الجيش كمؤسسة أو تُضعف مركز ثقلها.
عموماً هناك تقاطع على (وقف النزيف) ومنع التفكك، لكن تباينات واضحة حول مَن يملك (اليد العليا) في اليوم التالي، ومن سيهندس المعادلة المدنية/العسكرية الجديدة، لكن نجاح الإجتماعات بدون السودانيون يتطلب إعادة التفاوض مرة أخري ، أو تضارب أدوات النفوذ وأدوات الضغط والحوافز المتاحة (الجزرة والعصا) وهذا ما يطرح سؤال مفاده أين سيُدار المسار التفاوضي الرسمي ؟ جدة؟ أبوظبي؟ القاهرة؟
أم عبر آلية رباعية + إيغاد/الاتحاد الأفريقي؟ الصراع على المنصة قد يعطل التوافق على المضمون، لان تجاوز الاتحاد الأفريقي والإيغاد يُعرّض المسار لاتهامات (التعريب/التدويل) ويصعب تسويقه داخل أفريقيا لكل هذه التعقيدات تبرز أربعة سيناريوهات وهي :
السيناريو الأول : الحدّ الأدنى وهو أن تتوافق الرباعية على إطار لوقف إطلاق نار(مناطق/ممرات إنسانية، مراقبة بالأقمار الصناعية/الدرونز، آلية عقوبات تلقائية) مع دعوة الأطراف لاحقًا للتوقيع، وحجتها لتسيوق ذلك تحقيق إنقاذ إنساني سريع، يمنح الرباعية قصة نجاح أولية، يخلق بنية تقنية للرقابة يمكن البناء عليها سياسيًا، لكن هذا الإتجاه له مخاطر وهي هشاشة التنفيذ وعدم تسيوق ذلك الإتجاه والخوف من تحوّل وقف إطلاق النار إلي (هدنة مؤقتة لإعادة التموضع) لكن الرباعية بيدها مؤشرات لنجاح لذلك السيناريو وهي صدور بيان موحّد يتضمن آلية مراقبة محددة زمنياً، أو إعلان حزمة عقوبات/حوافز مرتبطة بالامتثال فتح ممرات إنسانية بضمانات إقليمية.
السيناريو الثاني : المسار المرحلي وهو الإتفاق علي مراحل تشمل (أ) أمن/إنساني، (ب) ترتيبات عسكرية/أمنية انتقالية، (ج) عملية سياسية مدنية شاملة برعاية إقليمية–أفريقية مشتركة، هذا السيناريو يُدخل الاتحاد الأفريقي/الإيغاد لتغطية الشرعية، ويمنح مصر والسعودية دوراً واضحًا في المرحلة الأمنية، والإمارات دورًا في إعادة الإعمار.
لكن هذا الإتجاه له مخاطر تتمثل في طول الزمن، تضارب أولويات مصالح الرباعية، أو إعتراضات قوى سياسية ترى المسار فوقياً أو رفض قوى مسلحة لأي إعادة هيكلة جادة، أما مؤشرات رجحان السيناريو فهي تتمثل في الإتفاق علي إعلان آلية متابعة رباعية–أفريقية، و جدول زمني تفصيلين أوتعيين مبعوث/هيئة تنفيذية مشتركة، وربما إطلاق صندوق إنساني/إعماري مشروط.
السيناريو الثالث: توازنات متقاطعة بلا قرار : وهذا يتمثل في إصدار عبارات دعم لوحدة السودان ووقف القتال، من دون اتفاق على أدوات ضغط/حوافز أو منصة تفاوضية محددة، وهذا السيناريو يحافظ علي الحد الأدنى من التنسيق الرباعي دون كلفة سياسية لكن هنالك مخاطر تتمثل في تفاقم كلفة الحرب إنسانيًا وأمنيًا، ويُضعف مصداقية الرباعية، ويُفسح المجال لمسارات موازية (روسية، تركية، أو حتى إثيوبية/تشادية) لملء الفراغ.
أما مؤشرات التحقق فيمكن رؤيتها في الأتي: بيانات إنشائية، غياب أي ذكر لآليات رقابية/عقابية، عدم تعيين مبعوث/آلية، إستمرار التصعيد الميداني بلا تغيّر.
السيناريو الأخير: الإنقسام الرباعي : ومن مؤشرات هذا السيناريو هو ما رشح عن تأجيل الإجتماعات لمدة يوم واحد ، الأمر الثاني خلق مساران متوازيان/متنافسـان فتدفع عاصمة/عاصمتان بمسارٍ بديل (أمني/إغاثي) بينما تسعى أخرى لعملية سياسية مختلفة المرجعيات، ومن مخاطر هذا السيناريو هو سباق نفوذ يُغذي الحرب بالوكالة، وتفتت أدوات الضغط، وتحوّل السودان إلى ساحة تنافس إقليمي علني وهنا يمكن النظر إلي الصراع في ساحة مجلس الامن وتكتل دول بعينها ضد قرارات، أما مؤشرات التحقق هي صدور مبادرات/مؤتمرات متوازية، او تسريبات متبادلة الإتهام؛ حزم دعم/عقوبات متناقضة.
الخاتمة:
عموماً إجتماعات الرباعية دون حضور العسكريين والمدنيين وأصحاب المصلحة قد تُنتج اتفاق جزء قصير الأجل، أو خريطة طريق مرحلية، أو قد تنتهي إلى بيانات عامة لا تغيّر كثيراً في المعادلة، فالعامل الحاسم سيكون قدرة الرباعية على توحيد أدواتها، وبناء منصة تنفيذ شرعية وفعّالة، وربط وقف النار بمسارٍ سياسي مدني واضح، وإشراك الأطر الأفريقية والإقليمية بطريقة تمنح المسار قابلية الاستمرار، من دون ذلك، يظل خطر تحويل السودان إلى ساحة تنافس إقليمي مفتوح، إدارة حرب طويلة منخفضة الكلفة للأطراف الخارجية، مرتفعاً للغاية.
كما حذر تجمع الدبلوماسيين السودانيين : نحذر من أخطار إنزلاق الوضع في السودان لمآلات خطيرة وآثار وإفرازات عميقة على الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي، خاصة مع إمتداد وجود الحركات الإرهابية في منطقة الساحل والسعي لإيجاد موطئ قدم لها في خضم الصراع في السودان وتعزيز مقدراتها التنسيقية سواء على مستوى الساحل أو القرن الأفريقي وموقع السودان الإستراتيجي الحيوي كرابط بين منطقة الساحل والقرن الأفريقي ووسط أفريقيا.