سياسة

إجتماعات الإتحاد الإفريقي حول السودان : حيادٌ قاتل أم عجزٌ متعمد ..!!

إجتماعات الإتحاد الإفريقي حول السودان: حيادٌ قاتل أم عجزٌ متعمد!!


تقرير : حسين سعد


يعقد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي إجتماع مهم في الرابع من أغسطس الحالي، لمناقشة مستجدات الملف السوداني، في ظل استمرار الحرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والتي تدخل شهرها السابع عشر وسط تدهور إنساني غير مسبوق وتراجع الجهود السياسية الإقليمية والدولية، وتترأس الجزائر رئاسة مجلس السلم و الأمن الشهر الجاري.

وبحسب صحيفة أخبار الوطن الجزائرية فأن الجزائر ستدفع أجندة السلم والأمن للمنظمة الأفريقية، وتناول التحديات الأمنية الحالية بالقارة السمراء ، ومن المتوقع أن تشهد الرئاسة الجزائرية إجتماعات مهمة تتصل بالحوكمة ونظام الإنذار المبكر في شقة المتعلق بالتنسيق بين كل من الألية الأفريقة للتقييم من قبل النظراء ومركز الإتحاد الأفريقي لمكافحة الإرهاب وآلية الإتحاد الأفريقي للتعاون الشرطي (أفريبول) كما يتضمن برنامج عمل الرئاسة إجتماعاً لدراسة الأطار المرجعي للجنة الفرعية لمكافحة الإرهاب التابعة لمجلس السلم والأمن ، وكذلك إجتماعاً تنسيقياً مع الأعضاء الأفارقة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

الجدير بالذكر إن الجزائر اإتخبت في 15 أبريل المنصرم عضواً في مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي لولاية مدتها ثلاث سنوات (2025 – 2028) وكان الاتحاد الإفريقي قد قرر في أعقاب انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر في العام 2021، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، تعليق عضوية السودان في المنظمة القارية، مشترطًا عودة الحكم المدني كشرط أساسي لإعادة تفعيل العضوية.


السياق السياسي والأمني:
يأتي إجتماع مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي في الرابع من أغسطس 2025 كمحطة مفصلية أخرى في مسار طويل من الاجتماعات التي كثيرًا ما إفتقرت للفاعلية والتأثير العملي على الأرض، هذا الاجتماع، وإن لم يكن الأول من نوعه، إلا أنه يأتي في لحظة حرجة، وسط تصاعد القتال، وإنهيار شبه تام لمؤسسات الدولة، وتزايد الدعوات الإقليمية والدولية لوقف الحرب التي دخلت عامها الثالث واستئناف المسار المدني.

وتزايد العمليات العسكرية في ولايات كردفان ودارفور، مع تقارير عن إستخدام ممنهج للعنف ضد المدنيين، وظهور بوادر تطهير عرقي في بعض المناطق، تفكك الدولة المركزية وانعدام الخدمات أدى إلى حالة فراغ أمني خطيرة، دفعت بمجموعات مسلحة لملء هذا الفراغ، ما زاد من تعقيد المشهد، في ظل فشل المبادرات الإقليمية والدولية مثل إجتماع الرباعية مؤخراً ، والمبادرة السعودية-الأمريكية ( منبر جدة) لم تحقق اختراقاً مستداماً، وفشل الإيقاد في وقف الحرب في السودان وإستعادة المسار الديمقراطي المدني الإنتقالي، طوال هذه الفترة ظل الإتحاد الإفريقي صامتاً لفترة طويلة قبل أن يبدأ تحركاته مؤخرًا بإعادة إحياء (الآلية الثلاثية) التي أصبحت اليوم رباعية بلا فاعلية واضحة.


وقف إطلاق النار :
من المتوقع يناقش الإجتماع ، وقف إطلاق النار الإنساني من خلال إلزام الأطراف السودانية بوقف فوري للأعمال القتالية والسماح بإيصال المساعدات، لكن غياب آليات تنفيذ حقيقية يضعف مصداقية هذا الطرح، الاتحاد الافريقي من جهته يحاول إستعادته لقيادة الملف السوداني من خلال وساطة أفريقية خالصة، لكن ثمة إنقسام داخلي بشأن فعالية هذا الدور بالنظر إلى حيادية بعض الدول الأعضاء وتواطؤ البعض الآخر مع أطراف النزاع، النقطة الأخري هي تعرض الإتحاد الأفريقي لانتقادات واسعة لعجزه عن التعامل الجاد مع الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021، يسعى المجلس لاستعادة المبادرة وتقديم نفسه كفاعل مسؤول في القارة، وغياب الإرادة الجادة للضغط على الأطراف المتحاربة، وتورط بعض الدول بالاتحاد الافريقي في أزمة السودان من خلال دعهما لطرفي الحرب ، وإستمرار تغييب أصوات الضحايا والمجتمع المدني، حيث لا تزال المفاوضات تتم بعيداً عن أصوات النازحين وضحايا الحرب، ما يهدد شرعية أي مخرجات مستقبلية.


تحديات عديدة:


وقال مصدر مطلع فضل حجب إسمه في حديثه مع مدنية نيوز اليوم إن الإجتماع المرتقب لمجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الأفريقي في الرابع من الشهر الحالي لن يخرج بجديد بسبب غياب الإرادة وعجز أدوات وأليات المنظمة الافريقية ، وأضاف الاتحاد الافريقي مازال محصوراً في مربع التمنيات والتحذيرات، دون تفعيل حقيقي لآلياته الواردة في ميثاقه التي تتيح التدخل لمنع الجرائم الجماعية أو إستخدام قوات (حفظ السلام) كما تفتقر قيادة الاتحاد إلى رؤية واضحة أو مبادرة سودانية خالصة يتم الترويج لها، ما يجعله تابعاً لمبادرات أخرى لا يقودها، وقد فشل حتى الآن في الضغط على الأطراف الإفريقية المؤثرة (مثل مصر، تشاد، إثيوبيا) لتوحيد موقفها، أو منع تدفق السلاح والمرتزقة إلى مسرح الحرب، وحول الخيارات أمام الاتحاد الإفريقي.

إقترح المصدر المطلع الإنخراط الجاد في مسار سياسي إفريقي خالص، عبر رعاية حوار يشمل المدنيين والعسكريين والمجتمعات المتأثرة بالحرب، بالتوازي مع إجراءات بناء الثقة (فتح الممرات، إطلاق الأسرى، وقف التجنيد القسري) والدفع نحو تدخل إقليمي وقارئ محدود بمراقبين أو قوات لحماية المدنيين، إذا استمرت الفظائع الجماعية، بالتنسيق مع الأمم المتحدة، لاسيما وإن الصراع بين الجيش والدعم السريع دخل عامه الثالث علي التوالي وتسبب في أزمة إنسانية كارثية ، فضلاً عن إعلان حكومة موازية في دارفور ، مما زاد من خطر شطر السودان على طريق شبيه بليبيا أو جنوب السودان.

كما أن المجتمع الدولي، مثل الأمم المتحدة، أغلقت الباب أمام قرارات قوية — روسيا استخدمت حق الفيتو لمنع قرار بوقف إطلاق النار ضمن مجلس الأمن، وعدم مشاركة الأطراف الفاعلة بفعالية القوى الفاعلة الأخرى في السودان، مثل المجموعات المدنية والحركات السياسية والمجتمعية، ولجان المقاومة لن تُشرك بشكل كافٍ ، وفقدان الثقة من قبل القوى المدنية التي ترى أن الاتحاد خضع لضغوطات إقليمية وانحرف عن دور الوسيط المحايد، وتوقع المصدر بأن يخرج الإجتماع بيان رمزي يدعو يدعو لوقف النـار والحوار، لكنه دون ضمانات تنفيذية.


ثمانية جلسات:
في المقابل يقول السفير عادل إبراهيم مصطفي في حديثه مع مدنية نيوز، جمهورية الجزائر ستتولي رئاسة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي. ويعرض البرنامج المؤقت للأعمال لهذا الشهر ثماني جلسات موضوعية تغطي تسعة بنود علي جدول الأعمال، و من المقرر أن تعقد جميع الجلسات علي مستوي السفراء.


وأضاف السفير :ستُعقد أولى جلسات الشهر الحالي يوم الاثنين 4 أغسطس لمناقشة تطورات الوضع في السودان. وتأتي هذه الجلسة عقب سلسلة من التفاعلات رفيعة المستوى من قبل المجلس، كان آخرها الإجتماع رقم 1292 المنعقد في 29 يوليو 2025، والذي جاء كرد فعل مباشر على إعلان قوات الدعم السريع في 26 يوليو 2025 عن تأسيس إدارة مدنية موازية تُعرف بـتحالف تأسيس السودان في المناطق التي تسيطر عليها.

وقد أدان المجلس بشدة تشكيل ما وصفه بـ(الحكومة الموازية)، مؤكدًا إلتزام الإتحاد الأفريقي الثابت بسيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه. وشدد المجلس على أن الاتحاد الأفريقي يعترف فقط بـمجلس السيادة الإنتقالي والحكومة المدنية الإنتقالية التي تم تشكيلها مؤخرًا، حتى يتم التوصل إلى ترتيب توافقي يتماشى مع تطلعات الشعب السوداني.


وقال السفير صدرت هذه التصريحات بعد بضعة أشهر فقط من الجلسة رفيعة المستوى رقم 1261 التي عُقدت في 14 فبراير 2025 على هامش القمة الثامنة والثلاثين للاتحاد الأفريقي، والتي شارك فيها عدد من الشخصيات البارزة، بمن فيهم رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، ورئيس الإيغاد (مُمثلًا بوزير خارجية جيبوتي)، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وممثل عن جامعة الدول العربية. ورغم المستوى الرفيع للمشاركة في قمة فبراير، لم تسفر الجلسة عن قرارات ملموسة، إذ اكتفى البيان الختامي بتكرار الدعوات السابقة، مثل الدعوة لهدنة إنسانية، وهي دعوات تجاهلها كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.


تحركات دبلوماسية:
وأضاف السفير رغم إستمرار الإنقسام في الساحة الدبلوماسية وغياب التفاعل الفعّال في الأشهر الأخيرة، هناك جهود جارية لإحياء المسار الدبلوماسي. فقد كثفت مصر تحركاتها الثنائية، لا سيما لاحتواء حالة عدم الاستقرار على طول الحدود السودانية-الليبية-المصرية، في ظل الحوادث المتكررة المرتبطة بقوات الدعم السريع. وعلى الصعيد الدولي، وقبل تأجيله.

كان من المقرر أن تستضيف الولايات المتحدة محادثات سلام في 29 يوليو الماضي في واشنطن، بمشاركة السعودية والإمارات ومصر، لإحياء مبادرة الرباعية، مع التركيز على الحوار بدلًا من التصعيد العسكري. وفي الوقت ذاته، تستعد الأمم المتحدة لجهود وساطة يقودها المبعوث رمطان لعمامرة، بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، للتركيز على مفاوضات تتعلق بحماية المدنيين، والعمل على تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية بأسرع وقت ممكن.


ومن المتوقع أن يناقش مجلس السلم والأمن هذه التطورات الأخيرة ويتابع تنفيذ قراراته السابقة، مثل التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، وخطة لحماية المدنيين، وتحديد الجهات الخارجية التي تزود الأطراف بالأسلحة والدعم المالي، مما يؤجج أمد الحرب في السودان.


الخاتمة:
إنّ اجتماعات مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي بشأن الوضع في السودان، وعلى الرغم من توقيتها الحرج وأهميتها الرمزية، تعكس في جوهرها أزمة عميقة في فعالية النظام القاري في التعاطي مع النزاعات المعقدة التي تعصف بالقارة، وعلى رأسها الأزمة السودانية المتفاقمة، فبينما يُنتظر من الاتحاد الإفريقي أن يضطلع بدور محوري في وقف الحرب الدائرة منذ أكثر من عام، يُلاحظ أن المجلس لا يزال حبيس بيانات الإدانة والدعوات الفضفاضة للحوار دون إمتلاك أدوات تنفيذية حقيقية أو إرادة سياسية موحدة لممارسة ضغوط جادة على الأطراف المتحاربة، السياسة الإفريقية تجاه السودان تبدو مرتهنة لتقاطعات المصالح الإقليمية والدولية، وهو ما يجعل قرارات المجلس عرضة للتأجيل، أو التمييع، أو التنازل أمام الحسابات الضيقة لبعض الدول الأعضاء المتحالفة مع أحد طرفي الصراع، هذا يُفضي إلى بيئة تفاوضية غير متوازنة، ويفاقم من فقدان ثقة السودانيين، خاصة المدنيين والقوى الديمقراطية، في عدالة ومصداقية الوساطة الإفريقية، وإذ يسعى الاتحاد الإفريقي إلى الحفاظ على الملكية الإفريقية لحل النزاعات، فإن فشله في معالجة الانقلاب العسكري في 2021، وصمته إزاء الجرائم الجارية منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، وتردده في اتخاذ موقف واضح من انتهاكات الأطراف، كلها عوامل تقوّض من شرعية الاتحاد كمؤسسة قادرة على فرض قراراتها أو حتى التأثير في مسار الصراع، إنّ الخطر الحقيقي يكمن في أن يؤدي هذا التراخي إلى ترسيخ أمر واقع جديد في السودان، يقوم على حكم من يملك السلاح ودويلات الأمر الواقع، ويضعف من فرص إعادة بناء الدولة المدنية.

وهنا يُطرح السؤال الأهم: هل الاتحاد الإفريقي قادر على مراجعة إستراتيجياته والتخلي عن الحياد السلبي لصالح انحياز حاسم للسلام العادل والديمقراطية، أم أنه سيواصل الدور الشكلي الذي يفقده أي نفوذ حقيقي في ملفات النزاع؟ في ضوء ما سبق، فإن المطلوب من الاتحاد الإفريقي اليوم ليس مجرد عقد الاجتماعات، بل الخروج من منطقة الراحة، وابتكار أدوات ضغط جديدة، وربط قراراته بآليات تنفيذية واضحة، وتوسيع قنوات التواصل مع الفاعلين المدنيين السودانيين، بدلًا من الإكتفاء بالتعويل على القوى العسكرية التي تسببت في خراب البلاد، فإما أن يكون الاتحاد طرفًا جادًا في إنقاذ السودان، أو أن يُسجّل في تاريخه فشلًا جديدًا في ملف من أكثر الملفات دمويةً في القارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى