مقالات

مصعب كريم الدين يكتب : أزهري المبارك .. رجل من معدن الوطن

مصعب كريم الدين يكتب : أزهري المبارك .. رجل من معدن الوطن

في المحن الكبرى، تظهر معادن الرجال. وعندما تُظلم الطرق وتضطرب الموازين، يتقدم من يملكون إيمانًا راسخًا بأن الأوطان لا تُبنى بالشعارات، بل بالتضحيات العملية والبذل الصادق.
في خضم ما يشهده السودان من حرب طاحنة وانهيار مؤسسات الدولة، هناك من قرر أن يكون في ضفة الفعل لا القول، ضفة الواجب لا التبرير. ومن هؤلاء أزهري المبارك، رجل الأعمال المعروف، لا بثرائه فحسب، بل بقدرته على تحويل المال إلى قوة وطنية فاعلة، تقف في وجه الخراب وتمنح الأمل للمستضعفين.

منذ الأيام الأولى لانفجار الحرب، لم يتأخر أزهري المبارك عن واجبه الوطني والإنساني، بل كان من أوائل من لبّوا نداء الكرامة، وتقدم الجبهات، مسلحًا بقناعة راسخة: أن من يملك المال، عليه أن يُسنده بالموقف.

ما فعله أزهري في الولاية الشمالية وحده يستحق أن يُسجّل في صفحات الوطنية الحديثة. إذ لم يكتفِ بتقديم دعم رمزي، بل قام بتسليح أكثر من 300 عربة عسكرية من ماله الخاص، وأشرف على تجهيزها لتكون رافدًا حقيقيًا للقوات المسلحة التي تواجه التمرد. لم تكن مبادرته تلك استجابةً لحملة حكومية أو نداء علني، بل مبادرة فردية خالصة، نابعة من إحساسه العميق بالمسؤولية تجاه بلده وأهله.

ولأن أزهري المبارك يدرك أن النصر لا يُنتزع بالسلاح وحده، بل يحتاج إلى دعمٍ مستمر، فقد تكفّل أيضًا بمصاريف المقاتلين المستنفرين من أبناء الولاية الشمالية. وهي خطوة، رغم أنها لم تحظَ بتغطية إعلامية واسعة، كانت فاصلة في رفع معنويات الجنود، وبمثابة رسالة واضحة: هناك من يقف خلفكم، ويشعر بكم، ولن يترككم في العراء.

لكن عظمة هذا الرجل لا تقتصر على البعد العسكري، بل تتجلى بشكل أعمق في ملفه الإنساني. فحين بدأت موجات النزوح تتزايد نتيجة اتساع رقعة الحرب، لم يتردد أزهري في التوجه إلى منطقة الدبة بالولاية الشمالية، حيث قدّم دعمًا كبيرًا للنازحين وأقام معسكرات الإيواء، مزوّدًا إياها بالمأوى، والغذاء، والخدمات الطبية. لتصبح هذه المعسكرات ملاذًا آمنًا للمئات من الأسر التي فقدت كل شيء. لم ينتظر وعود المنظمات، ولم يركن إلى بطء الأداء الرسمي، بل تحرّك فورًا، وكأن وجع النازحين وجعه الشخصي.

وفي وقتٍ أصبح فيه العمل الخيري موسميًا ومشروطًا، قدّمت مبادرة أزهري المبارك نموذجًا نقيًا للتضامن، قائمًا على الفعل المستمر لا العاطفة العابرة. فقد ظل يشرف على المعسكر بنفسه، ويتابع احتياجات السكان، ويوجّه كوادره لتوفير كل ما يمكن، دون منّة أو استعراض.

وربما كان اللافت في كل ذلك، أن تدخل أزهري المبارك في هذه المرحلة لم يكن جزءًا من حسابات الربح والخسارة، ولا بحثًا عن شعبية أو موقع. هو ببساطة مواطن سوداني رأى بلاده تحترق، فقرر أن يقاتل بطريقته: بماله، ووقته، وحنكته في التنظيم والتحرك.

لقد ضرب أزهري المبارك مثالًا نادرًا في الجمع بين الوطنية والإنسانية، بين المال والموقف، بين القوة والرحمة. ومثل هذا الرجل يجب أن يُدرّس، لا بوصفه حالة فردية فقط، بل كملهم ومحرّك لغيره من رجال المال والأعمال في كل ولايات السودان، بأن للثروة وظيفة أسمى من الاستهلاك والاستثمار: وظيفة تتجلى في خدمة الوطن حين ينهار، ورفع الناس حين يسقطون.

ولعل أجمل ما في مسيرته خلال هذه الأزمة، هو التواضع الصامت الذي يغلف كل ما يقوم به. لم يظهر في لقاءات صحفية يستعرض فيها ما أنفقه، ولم يطلب من الجهات الرسمية شكرًا ولا تكريمًا. ترك الأفعال تتحدث، وترك الناس تتداول اسمه على ألسنتهم بإعجاب وامتنان نادرين.

إننا أمام رجل لا يمكن أن نضعه في خانة “رجال الأعمال التقليديين”، بل في خانة المناضلين المدنيين الذين يواجهون الحرب بوسائلهم، ويخوضون معاركهم بسلاح العطاء والإيمان بالوطن.

نرفع له القبعة، ونقول له من القلب:
بارك الله فيك، وتقبّل منك، وزاد من أمثالك في كل ربوع السودان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى