كيف يتم تقويض الخط العام في الثورات؟ عندما يحدث صراع بين مكونات السلطة نموذج صراع الجيش و الدعم السريع في السودان ؟

كيف يتم تقويض الخط العام في الثورات؟ عندما يحدث صراع بين مكونات السلطة نموذج صراع الجيش و الدعم السريع في السودان ؟
ورقة علمية ، بقلم : سيف الدين ادم ( ديفيد)
في مسارات الثورات الشعبية السلمية و المسلحة ، يُشكّل الخط العام بمثابة البوصلة التي توجه الفعل و المقاومة الثورية وتحدد أولوياته ومواقفه من الأحداث والمتغيرات . هذا الخط يُبنى على أساس رؤية واضحة للصراع بين الثورة التي خرجت من رحم الشعب وقوى الظلم والاستبداد .
غير أن هذا الخط كثيرًا ما يتعرض لمحاولات التقويض ( أي الانحراف ) خاصة في اللحظات الحرجة ، مثل حدوث صراع داخلي في السلطة (نموذج صراع الجيش السوداني و الدعم السريع ).
هنا تتسلل مجموعة صغيرة و غالب تراهم متواجدين في قيادة الثورات بمحاولات تزييف الوعي داخل الثورة ، وتظهر أصوات تروّج لتغيير البوصلة الثورية لصالح احد أطراف الصراع ، لكن السؤال الجهوري ما المقصود بالتقويض ؟ كيف يحدث ذلك ؟ وكيف يواجه الثوار هذه التقويض ؟
اولا: “تقويض الخط العام” : يعني تبديل أولويات الثورة من مقاومة الصفوة و اليتها القمعية الجيش السوداني و الدعم السريع إلى التماهي مع أحد أطراف الصراع مع إضعاف الموقف الأخلاقي والسياسي للثورة و الثوار أمام شعوبهم وهو لا يحدث بشكل مباشر أو معلن ، بل يتسلل تحت غطاء “الواقعية”، أو “التهدئة”، أو حتى “التخوين بالوطنية المزيفة”.
ثانيًا : لحظة انقسام السلطة هي فرصة أم فخ ؟
عندما ينشب صراع داخلي بين أطراف السلطة سواء داخل أجهزة الدولة بكل مليشياته و الأحزاب المتحالفة و مع المجموعات الثورية ضد معسكر الثورة ، تنشأ حالة من الإرتباك في الشارع الثوري و الخط العام تتمظهر في الاتي :
طرف يبدو أكثر “اعتدالًا” ، طرف يستخدم شعارات قريبة من مطالب الثورة ، طرف في السلطة الثورية أصواتها تنادي و تدعو لدعم أحد الأطراف ” لتقويض الخط العام ” ، لكن هؤلاء لديهم أدوات يستخدمونها و غالب ما يكونوا في حرم السلطة الثورية ، هذه الأدوات هي :
1- ظهور مجموعة منتفعة يتمسك بالاطر المنتفعة .
2- حدوث إجتماعات سرية يتبناها افراد مع احد قادة أطراف الصراع .
3- ظهور صور لأفراد المجموعة الساعية مع قيادة احد اطراف الصراع في مواقع التواصل الإجتماعي .
4- استخدام التخبط الإداري لتكميم أفواه الثوار المعتدلة .
5- ظهور مجموعات في مسيرات لدعم حكومات أطراف الصراع .
وهنا يبدأ تقويض الخط العام إن لم يُحسم الموقف الثوري بحزم و وضوح .
ثالثًا: آليات تقويض الخط العام
- الترويج لأحد أطراف الصراع اعلاميآ مع مهاجمة الطرف الآخر .
- شيطنة الثوار واتهامهم بأنهم يحدثون الفوضى ، بينما يُبرأ أحد الأطراف التي تدعم احد أطراف الصراع .
- دعوات التهدئة والتسوية دون شروط ، أي دون عدالة أو محاسبية .
- اختراق الصفوف الثورية بخطاب رمادي يدعو لـ”الانحياز للعقلانية” مع اتهامهم “بالتطرف الثوري او التخوين ” .
رابعًا: آثار تقويض الخط العام
1. فقدان الثقة الثوري عند الثوار و شعوبهم .
2. تشتت الوحدة الثورية وانقسام صفوفها .
3. إعادة تدوير السلطة الإدارية بأشكال جديدة تُبقي على جوهر القمع والاستغلال .
4. خلق حالة من الإستسلام التدريجي بدلًا من الحسم الثوري .
خامسًا: كيفية حماية الخط العام من التغويض ؟ - التمسك بالمبدأ الأساسي : الثورة ضد أطراف الصراع كاملة ، لا ضد طرف دون آخر .
- كشف و تحليل طبيعة الصراع بين اطراف الصراع : هو صراع مصالح لا علاقة لها بمصالح الشعوب السودانية .
- رفض الإنحياز لأي طرف في معسكر الصراع و الاستبداد مع التأكيد على أن التناقض الأساسي بين حقوق الشعوب و مصالح أطراف الصراع .
- تعزيز الوعي السياسي داخل قواعد الثورة ، عبر التثقيف والمواقف الموحدة .
- بناء خطاب بديل واضح ، يوضح أن الحل لا يكمن في أحد أجنحة اطراف الصراع ، بل في إسقاط النظام بكل اجهزتها العسكرية كامله و بناء موقف بديل يخدم الوطن و المواطن السوداني .
الخاتمة:
الصراع بين الجيش السوداني و الدعم السريع و المجموعات المتحالفة معهم هي لحظة كاشفة عند العمل علي كيفية حفاظ الخط العام مع استمرارية العمل الثوري ، لكنها أيضًا لحظة خطرة في حالة محاولة الوقوف مع احد أطر الصراع . فإما أن تكون فرصة لتعزيز الموقف الثوري وكشف زيف منظومات الاستبداد ، أو تكون مدخلًا لتقويض الخط العام وتفكيك الوعي الثوري . ومن هنا، فإن ثبات الخط العام و وضوحه هو شرط بقاء الثورة وشرط انتصارها . فالثورات لا تُهزم فقط بالسلاح ، بل قد تُهزم حين تتنازل عن بوصلتها .