الاديب شقيفة يكتب .. مفهوم التأسيس في الدولة الحديثة: نحو عقد اجتماعي جديد

لا يُعد التأسيس مجرد لحظة إعلان سياسي أو تشكيل مؤسسات دستورية، بل هو تحول بنيوي في الوعي الجمعي، يُعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس جديدة.
التأسيس هو لحظة نقد جذري للقديم، لا لإعادة إنتاجه بواجهة جديدة، بل لبناء نموذج وطني جامع، يقوم على:
الانتقال من منطق القوة إلى منطق القانون، من تمكين النخب إلى تمكين المواطنين، من مؤسسات رمزية إلى مؤسسات خدمية حقيقية.
في هذا السياق، يصبح التأسيس مشروعًا حضاريًا متكاملاً، لا صفقة سياسية أو توزيعًا جديدًا للسلطة.
ولعل أبرز ما يميّز التأسيس الحقيقي:
أنه لا ينطلق من الوثائق وحدها، بل من ثقافة سياسية جديدة تُرسِّخ:
قبول التعددية دون تخوين أو إقصاء،
الوظيفة العامة كأداة خدمة لا كوسيلة وجاهة،
البناء من القاعدة الشعبية لا من قمة السلطة فقط.
التأسيس هو مسار وعي طويل المدى، لا مناسبة احتفالية.
إنه غرس لقيم العدالة في بنية الإدارة، وللإنصاف في النظام الاقتصادي، وللشورى والمساءلة في الممارسة السياسية.
ومن دون هذا العمق المفاهيمي، فإن أي دولة مهما بلغت دقة تصميمها ستظل معرضة للانهيار، لأن المعنى يسبق المبنى.
وعليه، فإن التأسيس يتطلب:
تجاوز الشعارات إلى السياسات،
الانتقال من الولاءات الجهوية والعرقية إلى الولاء للفكرة الوطنية،
خلق مؤسسات محايدة وفاعلة، لا أدوات لخدمة الأفراد أو المجموعات.
إنها معركة ضد الإقصاء، وضد العنف الرمزي، وضد إعادة إنتاج الفشل بأساليب أكثر أناقة.
ولهذا، فإن مشروع الدولة الجديدة في السودان لا يكتمل إلا بوعيٍ جماعي يرى أن:
الوطن لا يُبنى من فوق فقط، بل من الجذور، ومن كل الجهات.
فلنكن جميعًا فاعلين في التأسيس لا مجرد مراقبين له، حماة للمعنى لا خطباء للمناسبة.