جعفر محمدين يكتب .. المؤسسة العسكرية والسياسة في السودان : جدلية النفوذ وإمكانات الإصلاح

المؤلف: جعفر محمدين عابدين
التاريخ: الأحد، 24 أغسطس 2025م
البريد الإلكتروني: gafertamok@gmail.com
تُعد العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة السياسية في السودان من أكثر القضايا تعقيدًا في تاريخ البلاد الحديث، إذ شكّلت هذه العلاقة عاملاً حاسمًا في تحديد مسار الدولة منذ الاستقلال، وما زالت تؤثر على الاستقرار السياسي حتى اليوم.
السياق التاريخي
نشأت المؤسسة العسكرية في عهد الاستعمار ولعبت دورًا سياسيًا بارزًا منذ البداية.
معظم سنوات الحكم بعد الاستقلال كانت تحت أنظمة عسكرية أو شبه عسكرية، ما جعل الجيش عنصرًا ثابتًا في المعادلة السياسية.
فترة حكم الإنقاذ (1989–2019)
شكل انقلاب 1989 نقطة تحول جوهرية، حيث نفذت حكومة الإنقاذ سياسة “التمكين” وأعادت هيكلة الدولة بما فيها القوات المسلحة.
تم تعزيز الولاء الأيديولوجي داخل الجيش على حساب طابعه المهني والوطني، ليصبح أداة حماية للنظام الحاكم أكثر من كونه مؤسسة وطنية.
التحديات والنتائج
أدى تسييس الجيش إلى إضعاف المهنية العسكرية وتراجع استقلاليتها.
تحول الجيش إلى طرف مباشر في الصراع السياسي، ما عمّق الأزمات الوطنية وأشعل نزاعات مسلحة متكررة.
انعكس ذلك سلبًا على ثقة المواطنين في الجيش كمؤسسة جامعة لجميع السودانيين.
الحلول
إجراء إصلاح جذري للقوات المسلحة لضمان تحويلها إلى مؤسسة وطنية مهنية بعيدة عن الولاءات الحزبية والأيديولوجية.
إخضاع الجيش للسلطة المدنية المنتخبة لضمان توازن القوى في النظام الديمقراطي.
إعادة صياغة العقيدة العسكرية حول حماية الوطن والدستور، لا حماية نظام حكم بعينه.
إعادة الهيكلة على أسس تراعي التنوع القومي والجهوي وتعكس تمثيلاً حقيقيًا لمختلف مكونات الشعب السوداني.
الخاتمة
تجاوز الأزمة الراهنة يتطلب مشروعًا وطنيًا للإصلاح العسكري ضمن عملية انتقال ديمقراطي حقيقية، تضمن عدم عودة العسكر إلى السيطرة السياسية، وتؤسس لعلاقة طبيعية وصحية بين الجيش والدولة المدنية الديمقراطية، بما يحفظ الأمن الوطني ويحقق الاستقرار. استمرار هيمنة العسكر على السياسة يعني إعادة إنتاج الأزمات، بينما يفتح الإصلاح الحقيقي بابًا لبناء دولة عادلة ومستقرة.