مقالات

هذا أو الطوفان العظيم…!!

هذا أو الطوفان العظيم…!!

بقلم: محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)

كمواطن سوداني أتابع بقلق مجريات الأحداث التي تجري في وطننا السودان ، لا سيما المتغيرات في الساحة السياسية والعسكرية والإجتماعية التي خلفتها حرب 15 أبريل 2023م ، شئنا أم أبينا قد أصبحت أمراً واقعاً، والتعامل مع هكذا واقع يتطلب وعياً كافياً، وإدراكاً لخطورة الحالة التي وصلت إليها الدولة السودانية.

كانت هنالك فرصة لتوقيع إتفاق بعد إندلاع الحرب في أيامها وشهورها الأولى ، سواء عبر منبر جدة بالمملكة العربية السعودية، جهود الإيقاد ودول الجوار، إتفاق المنامة، مؤتمر سويسرا ، وغيرها من الجهود المحلية والإقليمية والدولية ، لكن العقلية الصفوية والإسلاميين الراديكاليين قد إختاروا طريق الحرب والموت رافعين شعار (بل بس) ولا يعرفون ثم ماذا بعد البل؟!.

لابد من السعي الجاد لإيقاف هذه الحرب مهما كانت كلفتها السياسية، ولابد من تقديم تنازلات من كافة الأطراف ، وأن تقوم القوى السياسية والمدنية والشعبية والدينية بواجبها نحو بلادها وشعوبها ، وتكوين أكبر جبهة وطنية لإيقاف وإنهاء الحرب، كونهم جهة الإختصاص وأصحاب الشأن ومصدر الشرعية ، وأن تجعل من أهداف وشعارات ثورة ديسمبر المجيدة دليلاً وهادياً، ومن ثم إجراء حوار سوداني سوداني لمخاطبة جذور الأزمة الوطنية، والتوافق على شكل الدولة التي نتطلع إليها.

إن التوصل إلى سلام عادل وشامل ومستدام يحتاج إلى شجاعة وتقديم مصلحة السودان على كافة المصالح الشخصية والحزبية ، والتحلي بروح المسؤولية الوطنية والأخلاقية ، حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة وتزداد الأوضاع تعقيداً أكثر مما نشاهده الآن، فالحلول الأمنية والعسكرية والتسويات الجزئية قد أثبتت فشلها منذ عام 1955م، ففي كل الحروب السودانية لم يحقق أي طرف إنتصاراً حاسماً على الطرف الآخر ويفرض شروطه، فإن الدولة السودانية بشكلها الصفوي والإستعماري القديم لا يمكن أن تستمر، سواء بالحرب أو بغيرها ، لذا لابد من الإزعان لشروط التغيير بدلاً عن تجريب المجرب.

إن السودان بعد حرب 15 أبريل لن يكون كما قبلها، سياسياً وإجتماعياً وربما جغرافياً، فقد حان الأوان كي نفكر في بناء المستقبل المشترك وتأسيس وطن وفق عقد إجتماعي جديد ، ونجاوب على الأسئلة الصعبة التي كانت سبباً في الحروب وعدم الإستقرار السياسي وتقسيم البلاد.

إن نجم المشاريع الأحادية وفرض الدين والهوية قد أفل ، ولابد من القبول بمبدأ سودان علماني ديمقراطي فدرالي ليبرالي موحد ، تكون فيه المواطنة هي الأساس الأوحد لنيل الحقوق وأداء الواجبات، وإعادة هيكلة جميع مؤسسات الدولة وفق أسس جديدة ، وبناء جيش قومي واحد بعقيدة جديدة، كشرط لازم لإيقاف الحروب وعدم الإنزلاق نحو التقسيم الجغرافي بعد التقسيم الإجتماعي الذي بات أمراً واقعاً.

إن شعبنا العظيم يستحق حاضر ومستقبل أفضل ، كي يرتاح من لظي الحروب والتشرد والمعاناة لعقود من الزمان ، ويتفرغ لعملية بناء وتعمير ما دمرته الحروب، ومعالجة إفرازاتها وجراحاتها ، ومداواة الوجدان الوطني المهتريء.

آن الأوان أن نفتح جميع الملفات والمسكوت عنه، المتعلقة بالتهميش السياسي والإقتصادي والإجتماعي والديني وسيطرة وكلاء الإستعمار ، وفتح ملفات الجرائم والإنتهاكات منذ مجزرة توريت ، عنبر جودة ، الجزيرة أبا، ود نوباوي ، قطار الضعين ، الجرائم والإنتهاكات التي وقعت بجنوب السودان، جبال النوبة، النيل الأزرق ، شرق السودان، دارفور ، مناطق المناصير ، الإنقلابات العسكرية ،تكوين وتسليح المليشيات القبلية والجهوية ، طمر أقدم حضارة جنوب الصحراء بسبب قيام السد العالي، التفريط وبيع مناطق سودانية والتنازل عنها من وراء ظهر الشعب، الفساد السياسي ونهب ثروات الوطن، قضايا الأرض والحواكير، قضايا المواطنة والجنسية والجرائم والإنتهاكات التي حدثت الحرب الحالية من جميع الأطراف المتحاربة بكل مناطق السودان، ولابد من إقرار مبدأ المساءلة والمحاسبة عن كافة الجرائم والإنتهاكات عبر التاريخ ، ومحاكمة جميع المتورطين عبر المحاكم الدولية والوطنية بعد إصلاحها والقوانين ، وضمان عدم الإفلات من العقاب حتى يكونوا عبرة لكل من يفكر في إرتكاب مثل هذه الفظائع والموبقات.

الفاتح من سبتمبر 2025م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى