مقالات

من رحم الحرب… تولد غرف الطوارئ

كتب / الأديب شايفة

حين تنهار المدن تحت وابل القذائف، وحين تفقد الحياة ملامحها في زحام الألم والضياع، هناك دومًا من ينهض من بين الركام ليضيء شمعة. تلك الشموع الصغيرة التي تتوزع في أرجاء المجتمعات المنكوبة تُعرف باسم: “غرف الطوارئ”.


ليست هذه الغرف مؤسسات رسمية ولا تُدار من خلف مكاتب الدولة أو بأوامر الوزارات. إنها نداء الضمير حين يغيب النظام، واستجابة الحياة حين تفرّ منها كل الوسائل. إنها الولادة الطبيعية للمسؤولية حين تشتد الأزمة ويغيب الأمل.


في تلك الغرف، اجتمع أطباء ومتطوعون، شباب وعاملون في الخفاء، نساء يطبخن للنازحين، وآخرون يضمدون الجراح بالكلمة أو بالدواء. لم يجمعهم انتماء سياسي، ولا شعار حزبي.

بل جمعهم وجع واحد… وإرادة واحدة: ألّا يُترك أحد خلفهم.
غرف الطوارئ، رغم بساطتها، تمثل درسًا بليغًا للمؤسسات المتخاذلة: أن الشعوب حين تُترك لمصيرها، لا تستسلم. بل تنشئ مؤسسات بديلة، نابعة من ضميرها الجمعي، ومبنية على التعاون، لا على البيروقراطية.


ليست هذه الغرف بديلاً دائمًا عن النظام، لكنها تذكيرٌ صارخ بوجوب وجوده. إنها صرخة تقول إن الكرامة يمكن أن تُصان بخيمة، ودواء، وابتسامة، ووجبة ساخنة تصل في الوقت المناسب.


من رحم الحرب تولد غرف الطوارئ… وتولد معها حكايات عن التضامن، عن الكرامة، عن الإنسان حين يقرر أن يكون نورًا وسط ظلامٍ دامس.


الأمل لا يأتي دائمًا على هيئة معجزة. أحيانًا، يأتي على هيئة شخص قرر ألّا يغلق عيادته، أو شاب حمل علبة إسعاف وركض بها إلى خط النار، أو مجموعة نساء يطبخن لـمئات الأسر في مدرسة مهجورة.


غرف الطوارئ ليست مكانًا فقط… بل موقف إنساني.
موقف يقول: لن نسقط، حتى لو سقط كل شيء من حولنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى