مقالات

رؤية من أجل وطن يقيم العدل بين أبنائه ليحترمه العالم

بقلم /د أسامة الفاتح العمري

في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ السودان، يبرز أمامنا سؤال الوجود الوطني الحقيقي: كيف نبني دولة تقيم العدل كي يحترمها الجميع؟
إن الإجابة ليست في الخطابات أو الوعود، بل في الإرادة الجماعية لبناء دولة مؤسسات حقيقية، تُدار بالدستور، الذي تنبثق منه القوانين واللوائح لا بالأهواء والانتماءات الضيقة.

لقد آن الأوان لأن يعود للسودان وجهه المؤسسي والإنساني، من خلال دستور وطني جامع يتوافق عليه كل أهل السودان، دون إقصاء أو هيمنة من أحد. دستور يعبّر عن ضمير الأمة، ويعيد التوازن بين الحقوق والواجبات، ويضمن العدالة والمساواة لكل مواطن، أيًّا كان انتماؤه أو لغته أو دينه أو قبيلته.

فكل دول العالم التي شهدت نهضة حقيقية وتنمية شاملة، لم تبلغها بالصدفة، بل عبر احترام القانون والمؤسسات، وصون حقوق الإنسان، وإقامة العدالة، وكفالة الحريات الفردية والجماعية.
هذه هي القيم التي صنعت أوروبا الحديثة وآسيا المتقدمة وأفريقيا الصاعدة، وهي ذاتها القيم التي يمكن أن تصنع السودان الجديد.

إن احترام الإنسان هو حجر الأساس في أي مشروع وطني.
فحين يشعر المواطنون أنهم متساوٍون أمام القانون، وأن صوته مسموع، وحقوقه مصونة، عندها فقط تتولد لديه الرغبة في البناء والعطاء والانتماء.
أما حين يُظلم بسبب لغته أو دينه أو قبيلته أو منطقته، او ثقافته فإن روح الوطن تتصدع، ويُفتح الباب أمام الانقسام والتمرد والاضطراب.

لقد دفع السودان ثمنًا باهظًا جراء التمييز والانغلاق، آن الأوان كي يغلق كي يغلق السودانيين هذا الملف المظلم.
فلا نهضة بلا عدالة، ولا استقرار بلا مساواة، ولا تنمية بلا مشاركة حقيقية من كل مكونات الشعب السوداني، دون استثناء أو امتياز.

نحن بحاجة إلى دولة مؤسسات قوية لا تُدار بالعاطفة أو الولاء، بل بالكفاءة والمساءلة والشفافية.عبر إقامة دولة
مؤسسات مستقلة في سلطاتها، مترابطة في أدوارها، تعمل من أجل المواطن لا من أجل الحاكم، وتخدم الوطن لا الحزب أو الفئة أو الطائفة.

إن بناء مثل هذه الدولة ليس مهمة الحكومة وحدها، بل هو مسؤولية جماعية تشمل النخب والمثقفين والشباب والنساء وكل أبناء السودان.
فالدولة الحديثة لا تُمنح من الخارج، بل تُبنى من الداخل، عبر الوعي والاتحاد والإصرار على الإصلاح.

إننا في السودان أمام فرصة تاريخية لإعادة التأسيس، لا على أساس القوة أو الثروة، بل على أساس الكرامة والعدالة والاحترام المتبادل.


ومن خلال هذا النهج فقط يمكن أن نحظى بدولة تحترم الكل، ويحترمها العالم أجمع، لأنها تعكس إنسانية شعبها وعمق حضارته وقدرته على النهوض من جديد.

السودان يستحق أفضل من هذا الواقع المرير، وشعبه العظيم قادر على كتابة صفحة جديدة في تاريخه، صفحة تُبنى على التوافق لا التناحر، وعلى المؤسسات لا الأفراد، وعلى العدالة لا التمييز.
ولن يكون ذلك بعيدًا إذا صدقت النوايا وتوحدت الإرادات نحو بناء دولة تحترم الجميع ويَحترمها الجميع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى