مقالات

زيورخ الثانية أم غزة “تو”؟!

الجميل الفاضل يكتب من نيالا
يوميات “البحير” : زيورخ الثانية، أم غزة “تو”؟!

في مكانٍ ما من العالم، يجري الآن ـ تحت ضغط كثيف ـ دفعٌ أو بحثٌ مكثف عن سبيل لإيقاف حرب السودان كذلك، ولو مؤقتًا؛ أسوةً باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي تم التوصل إليه بضغوط أمريكية عالية، ليشمل تبادل أسرى، يتبعه انسحاب إسرائيلي، وإدخال مساعدات إنسانية، على أن يبدأ تنفيذ هذا الاتفاق على جناح السرعة، الأسبوع المقبل فقط. 


هكذا تغطّي دروب الأفيال الأكبر، دروب الجِمال الكبيرة.
لكن هنا، أمامي ما يجرُّ ورائي ويُسرع بي نحو غاية مُلحّة أخرى، لا تنازل عنها أبدًا. 
فالحرب في السودان لم تعد مجرّد صراعٍ على السّلطة، كما يتصورها الأمريكان وشركاء الرباعية، بل أصبحت معركة حول شكل الدولة نفسها: من يُعرّف الوطن؟ من يصوغ الجيش؟ ومن يُقرّر الهوية؟


المهم، أنها أسئلة لا تُحل بتسويات فوقية، بل يتطلب الجواب عنها إعادة صياغة شاملة لعقدٍ اجتماعي جديد. 
فعلى هذه الأرض، تتجلى الآن إرادة تغيير جذري حقيقية، يسعى الناس من خلالها إلى تجاوز دولة “ما بعد الاستعمار”، نحو تأسيس دولة جديدة بالكامل، وفق عقد اجتماعي جديد، يُبنى عليه جيش مختلف في الهيكل، والأهداف، والتكوين، والعقيدة؛ جيشٌ يدافع عن حدود البلاد، ويصون ويحمي هوية سلطةٍ مدنية، ديمقراطية، علمانية، فدرالية… جامعة.


على أية حال، قد تستطيع واشنطن اليوم فرض هدنة أو ترتيبٍ مؤقت لحلّ ما، لكنها لا تملك في الواقع مفتاحًا لسلام دائم في السودان، ما لم تستوعب حقيقة أن هذه الحرب قد خرجت من خرطوم الماضي تمامًا، ولن تعود إلى ما كان عليه السودان قبلها، بأي حال من الأحوال. 
إذ إن مطلب الحل الجذري لم يعد اليوم ترفًا، بل أضحى شرطًا أساسيًا وحيدًا لبقاء السودان دولة موحدة، على كيان مستقر واحد.


فالسلام الحقيقي، هذه المرة، لا يأتي من قاعات المؤتمرات الباردة والبعيدة، بل من الاستماع إلى أصوات من يعيشون واقع هذه الحرب، وما تُنتجه من وعيٍ متنامٍ يومًا بعد يوم. 
أولئك الذين يريدون سودانًا جديدًا، قائمًا على أسس جديدة وعادلة، مهما كلّفهم بلوغ هذه الغاية النبيلة من ثمن.
صحيح أنه قبل بضع وثلاثين عامًا، كان الزمان أقل جموحًا، وكانت الحلول أسهل. 


إذ كلُّ الذين ماتوا هنا من قبل، كانوا قد نَجَوا بأعجوبة من مثل هذه الحياة الظالمة التي نعيشها اليوم. 
وبالطبع، فالحياة التي لا تُعرَف إلا بضدٍ واحد هو الموت، ليست حياة. 
كما أنه، وللحقيقة، نحن لم نولد كي نعرف أننا ربما نموت غدًا بآلة عنف هذه الدولة العمياء، أو بما تدّخره ليومها الأسود دائمًا، من أسلحة كيميائية مميتة، لا تُبقي ولا تذر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى