الدكتور علي سليمان رحيل موجع وذكرى باقية

كتب : حسين سعد
ودعنا اليوم الأكاديمي والقانوني في السودان الدكتور علي سليمان فضل أستاذ القانون الدستوري والعميد الأسبق لكلية القانون بجامعة الخرطوم الذي غادر دنيانا بعد مسيرةٍ حافلة بالعطاء والعلم والخلق الكريم، رحيله لم يكن فقداً لأسرة صغيرة أو دائرة محدودة، أو طلابه بل كان خسارةً وطنية حقيقية، لأن سيرته ومسيرته شكلتا مدرسةً كاملة في العلم والإنسانية والالتزام الأخلاقي.
عُرف دكتور علي سليمان بالجد والإجتهاد والإعتداد بالعلم كان شغوفاً بالمعرفة والبحث، كثير الاطلاع.. لقد رافقت الدكتور علي سليمان في المكتب التنفيذي بمركز الايام للدراسات الثقافية والتنمية الذي كان يترأسه معلمي وإستاذي الكبير الراحل محجوب محمد صالح ومولانا عمر شمينا والدكتور عطا البطحاني والراحل الدكتور الطيب زين العابدين والراحلة ماريا عباس والأستاذة سمية المطبعجي كان دكتور علي قليل الكلام لكنه كثير الاطلاع.. كان يحمل حقيبة قماش (خرتاية.) تتكدس بها الكتب والمراجع
رغم مكانته العلمية، لم يكن الدكتور علي سليمان متعالياً على طلابه أو زملائه. كان قريباً منهم، يستمع لمشاكلهم، يرشدهم بحكمة، ويمد لهم يد العون في أصعب الظروف، وبحكم عملي الصحفي كان الدكتور علي سليمان يطلب مني ان ارسل له عبر الواتساب الاخبار السياسية والتقارير الصحفية التي اكتبها.
لم يكن الدكتور علي سليمان مجرد أستاذ جامعي منعزل عن قضايا وطنه، بل كان مفكراً ملتزماً بقضايا الحرية والديمقراطية وسيادة القانون. في فترات الأزمات السياسية التي مر بها السودان، كان صوته يعلو مدافعاً عن استقلال القضاء، وعن ضرورة احترام الدساتير وعدم العبث بها لتحقيق مصالح ضيقة، وفي علته الاخيرة.
قبل حرب منتصف ابريل رتب لنا الاستاذ الياس فتح الرحمن زيارة لمنزل الراحل بضاحية المعمورة تقدمنا في تلك الزيارة الراحل عميد الصحفيين السودانيين محجوب محمد صالح والدكتور عطا البطحاني والاستاذة سمية المطبعجي، وفي مدرجات كلية القانون بجامعة الخرطوم، عُرف الدكتور علي سليمان بأناقته الفكرية، وصوته الهادئ، وطريقته في تبسيط أعقد المفاهيم القانونية والدستورية. كان يملك قدرةً فريدة على تحويل النصوص الجامدة إلى قضايا حيّة مرتبطة بواقع المجتمع وتاريخه ونضاله.
لم يكن التدريس عنده مجرد نقلٍ للمعرفة، بل كان تدريباً على التفكير النقدي والحوار المسؤول، درّس الدكتور أجيالاً من طلاب القانون الذين أصبحوا لاحقاً قضاة، محامين، أساتذة جامعات، سياسيين، ومدافعين عن حقوق الانسان كثير منهم يروون كيف غيّر مسار حياتهم العلمي، وكيف كان يشجعهم على طرح الأسئلة، ومناقشة النصوص القانونية بروحٍ مفتوحة، بعيداً عن الحفظ والتلقين.
ونعته عبر صفحتها في الفيس بوك المحامية الضليعة سامية الهاشمي والمحامية ماجدة صالح أما المحامية نسيبة ابراهيم فقد وصفت رحيله بالفاجع ، وفي نعي له قال المركز الإقليمي لتدريب وتنمية المجتمع المدني لقد كان البروفيسور علي سليمان فضل الله شريكاً أصيلاً في جميع أنشطة المركز ذات الصلة بالتدريب على صناعة الدستور، وجلسات الحوار والنقاش حول التجارب الدستورية المختلفة، حيث تميز بحضوره الفكري الرصين، وحرصه الدائم على ترسيخ قيم العدالة الدستورية والمشاركة المجتمعية.
ولم يتوانَ يوماً عن الانخراط الفاعل في لجان إعداد وصياغة أوراق العمل المتصلة بتدريب صناعة الدستور، مقدماً من علمه وخبرته ما عزّ نظيره.
وكانت آخر مشاركاته المباركة مع المركز في كتابه القيم “التطور الدستوري في السودان”، الذي تشرف المركز بالمساهمة في تحريره ونشره، ليظل شاهداً على بصمته العميقة في مسيرة الفكر الدستوري السوداني، ومصدر إلهام للأجيال القادمة من الباحثين والممارسين.
في الختام:
إن رحيل فقيد العلم والوطن، الدكتور علي سليمان، فجّر مشاعر الحزن في أوساط طلابه وزملائه ومحبيه نرفع أيدينا بالدعاء أن يتغمده الله بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، مع الصديقين والشهداء والصالحين.
ونعاهد روحه الطاهرة أن يبقى اسمه خالداً فينا ، وفي ضمائر كل من عرفوه، لقد كان الدكتور علي سليمان أكثر من أستاذ، كان مدرسة في العلم، ومنارة في الأخلاق، ورمزاً للنزاهة.
وفي رحيله، يفقد السودان واحداً من أعمدة الفكر الدستوري، ولكن ما تركه من أثرٍ عميق يظل حياً في قلوب الأجيال، نم قرير العين يا أستاذ الأجيال، فقد أديت رسالتك، وعلّمت وأحسنت، وستظل ذكراك خالدة في تاريخ السودان وفي وجدان طلابك الذين سيحملون مشعل العلم من بعدك.