حياة ادم : كرم اهل الشمالية .. ضوء في زمن العتمة

بسم الله الرحمن الرحيم
08/11/2025
قول الحقيقة
حياة ادم
كرم اهل الشمالية ..ضوء في زمن العتمة
في لحظةٍ كانت تضيق فيها الحياة بأهلنا في الفاشر، اشتد بهم الخوف والهلع، خرجت قوافل النزوح بحثاً عن الأمان والمأوى. كان الطريق إلى الولاية الشمالية أشبه بعبور من الظلام إلى بصيص نور، حيث وقف أهلها بقلوبٍ مفتوحة وأخلاقٍ لا تُقارن، يقدمون ما يملكون وأكثر دون تردد أو تأخير.
في زمن اشتدت فيه المحن علي أهلنا في الفاشر، ازدات وطاة الحرب والألم والوجع، برزت الشمالية مثالا نادرا للاصالة السودانية. فقد فتحت اسرها بيوتها قبل ان تفتح ساحات مدنها وقراها، استقبلت النازحين الفارين من الموت، بحنان لن ينسي، وكرم لا يحصي.
منذ اللحظات الاولي لوصول موجات النزوح، كان أهل الشمالية في مقدمة الصفوف، حيث قدموا الطعام قبل ان يسأل، والماء قبل ان يطلب، والمأوى قبل ان يبحث عنه. لم يعاملوا نازحي الفاشر كغرباء، بل كأهل ضاقت بهم الأرض، وكأمانات اوجبها الدين والضمير. لم يكتف أهل الشمالية بتوفير الطعام والماء والسكن؛ بل منحوهم شعورا بالكرامة والاحترام، بعد ان سلبتهم اياها المليشيا الإرهابية المجرمة، استقبلوا النازحين ليس كضيوف عابرين، بل كأهلٍ اكتظت بهم الجراح. كانت يدُهم تمتد قبل أن يُطلب العون، وكلماتهم تسبق أي سؤال “البيت بيتكم… والزاد زادكم”حملت هذه الكلمات من المعاني ما لم تحمله مؤسسات، كانت طمأنينة تحفظ النفوس وتعيد إليها شيئاً من الطمأنينة الضائعة.
لم يكتفِ أهل الشمالية بتوفير الطعام والماء والسكن؛ بل منحوا شعوراً بالكرامة والاحترام، وهو ما يحتاجه النازح قبل اللقمة والغطاء. فتحوا بيوتهم، شاركوا موائدهم، ووقفوا بجانب المتضررين في صمتٍ نبيل لا ينتظر مقابلاً.
في زمنٍ مُنهكٍ بالسياسة والدموع، أثبت أهل الشمالية أنّ السوداني الحقيقي لا يعرف التفرقة ولا يتأخر في ساعة الفزعة. أظهروا الوجه الأجمل لسودان القيم: الجيرة، النخوة، الشهامة، والمروءة.
فلم يشعر أهل الفاشر هناك بالغربة، بل أحسّوا أنهم عادوا إلى حضن الوطن. هذا الكرم النادر يستحق أن يُذكر في سجل الذهب؛ ليس لأنه وفّر طعاماً ومأوى، بل لأنه حفظ إنسانية إنسانٍ كادت أن تضيع، إن كلمات الشكر مهما طال سطرها ستظل قاصرة أمام ما رأيناه من خيرهم.
انا اليوم اكتب بقلب يشدّها الامتنان وتفيض بالدعاء، شكرًا لأهل الشمالية، ولكل أمٍ جهزت طعاماً لضيفٍ لم تعرفه، ولكل شابٍ حمل ماءً لمن أنهكه الطريق، ولكل أبٍ قال “لن يبيتوا في العراء ونحن هنا”.
ستظل مواقفكم نبراساً يضيء ذاكرة الأجيال، وستبقى بصمتكم الإنسانية علامة فارقة في تاريخ هذه الأزمة،فما قدمتموه لم يكن مجرد إكرام ضيف…بل كان إنقاذ روح.دمتم سخاءً حين يقلّ السخاء،وضياءً حين يبهت الضوء،ودمنا لكم ممتنين ما حيينا.




