مقالات

الهادي الشواف .. صناعة السلام المستدام في السودان رؤية لحل جذري لمسألة الحرب – (8)

كتب : الهادي الشواف

خامسًا: إشراك الشباب والنساء في صناعة السلام:

تتتبع هذه الرؤية في حلقات جذور النزاع المسلح في السودان، وتطرح رؤية استراتيجية لصناعة سلام مستدام لا يقتصر على وقف إطلاق النار، بل تسعى لمعالجة البنية السياسية والاجتماعية التي أنتجت الحرب، وتستند إلى تحليل الواقع السوداني، وتتبنى مقترحات عملية لبناء عقد اجتماعي جديد، وإصلاح مؤسسات الدولة، وتمكين المجتمعات المحلية، في هذا المقال نواصل محاولات طرح رؤية لحل جذري لمسألة الحرب في السودان، من خلال مناقشة أهمية إشراك الشباب والنساء في صناعة السلام.

النساء والحرب بين العنف والنزوح: النساء والشباب في السودان هم الأكثر تضرراً من الحرب، حيث يواجهون العنف الجنسي، النزوح، الفقر، وفقدان فرص التعليم والعمل، مما يجعلهم ضحايا مباشرين وغير مباشرين للصراع المستمر، رغم أن طبيعة الضرر الذي يقع على الشباب يختلف في بعض الاحيان عن طبيعة الضرر الذي يقع على النساء، الا أن المحصلة النهائية أن الضرر واقع على كل فئة بدرجات متفاوتة مما يستجوب تبيانه في السطور التالية.

دون شك أن النساء يتعرضن إلى ضرر مركب وهو العنف والنزوح، العنف بأشكاله المختلفة وخاصة الاعتداء الجنسي، بعض الإحصائيات تتحدث عن ان أكثر من 12 مليون شخص معرضون لخطر العنف الجنسي في السودان، والنساء والفتيات يتصدرن قائمة الضحايا، دون شك هناك انتهاكات إخرى مثل الاغتصاب والاختطاف وغيرها، وقد أكدت ذلك تقارير الأمم المتحدة، التي وثّقت شهادات مروعة لنساء تعرضن للاغتصاب والاختطاف في مناطق النزاع، خاصة في دارفور والخرطوم، وايضًا النساء تعرضن للنزوح القسري، وهذا ما دونته سجلات معسكرات النزوح، بأن النساء يشكلن نسبة كبيرة من النازحين داخلياً واللاجئين خارجيًا، وكذلك يعانين من فقدان المأوى، الأمن، والخدمات الصحية، بالإضافة للحرمان من الخدمات الأساسية، مثل الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والمساعدات الإنسانية، مما يزيد من هشاشة النساء ومعاناتهن.

لهذه الاسباب وغيرها تأتي ضرورة إشراك النساء في صناعة السلام المستدام في السودان، ليس مجرد مطلب حقوقي، بل هو ضرورة استراتيجية لضمان سلام شامل وعادل يعكس واقع المجتمع السوداني وتطلعاته، وبما ان النساء من اكثر ضحايا الحرب، فمن باب اولى اشراكهن في الحل، والجدير بالذكر أن النساء يشكلن أكثر من نصف المجتمع، ومع ذلك غالباً ما يتم تهميشهن في عمليات السلام الرسمية، تجاهل هذا النصف يعني فقدان رؤى وتجارب حيوية في معالجة جذور النزاع وبناء مستقبل مستقر، فبزيارة لتاريخ المرأة السودانية نجده حافل بالنشاط السياسي والاجتماعي، خاصة في المنعطفات الحرجة مثل الثورة السودانية وأحداث النزاع الأخيرة، وقد ظهرت مبادرات قوية مثل “نساء ضد الحرب” التي واجهت العنف وسعت للمصالحة المجتمعية، في واقع الامر أن النساء غالباً ما يركزن على السلام المجتمعي والتنمية والعدالة الاجتماعية، وليس فقط وقف إطلاق النار، وهذا يساهم في بناء سلام مستدام يعالج الأسباب الجذرية للنزاع مثل الفقر، التهميش، والعنف القائم على النوع، وتقليل العنف وتعزيز المصالحة، وبالتالي مشاركة النساء في مفاوضات السلام ترتبط بانخفاض معدلات العنف وزيادة فرص تنفيذ الاتفاقات، لان النساء بطبيعتهن يلعبن دوراً محورياً في إعادة بناء الثقة داخل المجتمعات المنقسمة، وهنا لا بد من بيان أن أجندة المرأة والسلام والأمن (WPS) التي أقرها مجلس الأمن الدولي، قد تدعت إلى إشراك النساء في جميع مراحل بناء السلام، ونحن في هذه المرحلة الحرجة في حاجة إلى تبني هذه الأجندة بشكل فعّال لضمان تمثيل النساء في السياسات والقرارات المصيرية.

الشاب والحرب.. وضياع المستقبل:

وكذلك نجد الشباب ايضًا من أكثر الفئات تضررًا من الحرب، فأغلبية المقاتلين من طرفي الحرب من الفئات الشبابية، اذًا يتم الزج بيهم كوقود لحرب لا تضيف لحياتهم شئيُا، بل تحطم آمالهم وتسلب مستقبلهم، وحتى الشباب الذين لم يلتحقوا بالقتال فأن مستقبلهم معلق صمت صوت الرصاص، فالحرب أدت إلى إغلاق المدارس والجامعات، مما حرم ملايين الشباب من مواصلة تعليمهم، وبعض الشباب يُجبرون على الانضمام إلى الجماعات المسلحة، مما يعرضهم للخطر النفسي والجسدي، وبنتيجة فأن انهيار الاقتصاد بسبب الحرب أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر بين الشباب، مما يفاقم الإحباط ويزيد من احتمالية الانخراط في العنف، أو الركون إلى تعاطي المخدرات، وكثير من الشباب هاجروا أو نزحوا داخلياً بحثاً عن الأمان والفرص، مما أدى إلى تفكك الأسر والمجتمعات، فضلًا عن التأثيرات النفسية والاجتماعية الاكثر تعقيدًا، مثل الصدمة النفسية نتيجة لفظائع الحرب والعنف المباشر وغير المباشر، فالنساء والشباب يعانون من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق نتيجة لهذا العنف، وايضًا تفكك النسيج الاجتماعي والاسرة، فالحرب تسببت في انهيار الروابط الأسرية والمجتمعية، مما زاد من الاحساس بالعزلة والتهميش وسط الشباب والنساء.

إشراك الشباب في صناعة السلام المستدام أمر حيوي لأنه يعزز شرعية عمليات السلام، ويضمن استمراريتها، ويستثمر في طاقات الجيل القادم لبناء مجتمعات أكثر عدلاً واستقرارًا، ونسبة لأهمية دور الشباب في منع النزاعات وحلّها، وما يؤكد ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2250 الصادر عام 2015م أعترف بالدور المحوري للشباب في منع النزاعات وبناء السلام المستدام، فكما ذكرنا من قبل فأن الشباب غالباً ما يكونون في الخطوط الأمامية للنزاعات، لذا فهم الأقدر على فهم جذورها والمساهمة في معالجتها، فمشاركة الشباب في صنع القرار تعزز من شرعية واستدامة مبادرات السلام، لأنها تعكس تنوع المجتمع وتلبي تطلعات فئاته المختلفة، وفي المقابل عندما يشعر الشباب بأن أصواتهم مسموعة، يكونون أكثر التزاماً بحماية السلام والدفاع عنه، ومن زاوية أخرى أن الشباب لديهم القدرة على يجلب أفكار جديدة وحلول مبتكرة لمشكلات قديمة، ويقودون مبادرات مجتمعية لبناء الثقة بين الأطراف المتنازعة، وبامتلاكهم لمهارات وفنون التواصل الرقمي وصناعة المحتوى، فأنهم ينشرون رسائل السلام ويبشرون به، ويواجهون خطاب الكراهية والمعلومات المضللة من خلال الإعلام الرقمي، وهم الأكثر قدرة على بناء الجسور بين المجتمعات المختلفة، كما أنهم يلعبون دوراً مهمًا في تقريب وجهات النظر بين المجموعات المختلفة، خاصة في المجتمعات المنقسمة، من خلال مشاركتهم في الحوارات المجتمعية وقيادتهم للمبادرات والمصالحات المجتمعية، ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة، يجب إشراك الشباب في السلام لتعزيز الهدف رقم 16 من أهداف التنمية المستدامة، الذي يدعو إلى مجتمعات سلمية وشاملة وعادلة.

تمثيل الشباب والنساء تمثيلًا حقيقيًا في الحوار الوطني وصناعة السلام:مثل الشباب والنساء طليعة الحراك الثوري ضد سلطة الثلاثين من يونيو البغيضة، كما ان للشباب والنساء ادوار عظيمة في المجتمعات المحلية، بتقديمهم خدمات أساسية وسط هذه المجتمعات، وتشهدم لهم التكايا ودور ايواء النازحين عطايا غير محدودة، كما أن من أكثر الفئات تأثرًا بالحرب نجدهم من النساء والشباب، وذات الفئات نجدها في قلب المجتمعات المحلية التي دفعت أثمانًا باهظة من أجل الحرية والعدالة، ومع ذلك، لا يزال تمثيلهم في الحوار الوطني وصناعة القرار وصياغة السلام محدودًا، وغالبًا ما يكون تمثيلهم رمزيًا، هذا التهميش يُضعف شرعية العملية السياسية، ويُقصي الفئات الأكثر قدرة على التغيير، ويُعيد إنتاج النخب القديمة، لذا، فإن التمثيل الحقيقي للشباب والنساء هو ضرورة وطنية، تملية طبيعة تكوينهما وطبيعة الظروف التي تمر بها البلاد، ومحورية ادوراهم في المجتمع.ولذلك فأن اقرار تمثيل حقيقي لهما مهم وضروري، لأن الشباب والنساء مجتعين يُشكّلون أغلبية سكان السودان، ويتميزون بامتلاكهم رؤى جديدة ومقاربات مختلفة لحاضرهم ومستقبلهم، ولأنهم ايضًا الأكثر تضررًا من النزاعات، والانهيار الاقتصادي، والتهميش السياسي، فضلا عن أن إشراكهم في تقرير مصيرهم ومصير البلاد يُعزز الشمول، ويُكرّس العدالة، ويُعيد بناء الثقة في العملية السياسية.

وبناء على تلك المعطيات التي ذكرت انفا، يجب نُحقّق تمثيلًا عادلًا وحقيقيًا لفئتي الشباب والنساء، من خلال تخصيص نسب واضحة في كل المنابر التفاوضية، مع تحديد نسب إلزامية لتمثيل الشباب والنساء في لجان الحوار المختلفة، وبطبيعة الحال في جميع مراحل مفاوضات السلام، وفي المجالس الانتقالية، والهيئات الدستورية، وكل ما يتعلق برسم ملامح مستقبل البلاد.

كما يجب اشراكهم في التحضير وصياغة الأجندة وليس الحضور فقط، بالإضافة إلى ذلك يجب أن يكون لهم دور فعلي في تحديد أولويات الحوار، والمشاركة صياغة بنود الاتفاقات، لا مجرد حضور شكلي، وكذلك تمكينهم من الصعود إلى مواقع قيادية، عبر دعم القيادات النسوية والشبابية في تولي مواقع القرار، ليس هذا فقط بل يجب توفير التدريب والتأهيل والموارد اللازمة للعب لذلك الدور القيادي، وفي ذات السياق أن حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد، تتطلب ان يكون التمثيل متنوع وشامل، ومن هذا المبدأ يجب أن ضمن تمثيل للنساء والشباب من كافة الاقاليم، ويعبر عن التنوع ويشمل مكونات المجتمع السوداني المختلفة،، واضافة إلى الخلفيات الاجتماعية خاصة من المجتمعات الاكثر تهميشًا، بدلا عن الاعتماد على النخب الحضرية فقط، ليس هذا فحسب بل يجب ربط هذا التمثيل بالعدالة الانتقالية، من خلال إشراكهم في توثيق الانتهاكات، وجبر الضرر، وبناء المصالحة المجتمعية، خاصة في المناطق التي شهدت نزاعات مسلحة.

على العموم أن تمثيل الشباب والنساء تمثيلًا حقيقيًا هو تحوّل في فلسفة الحكم، من النخب المغلقة والمجربة إلى المشاركة الشعبية الواسعة، ومن التمثيل الرمزي الشكلي إلى المشاركة الفعلية في كافة المرحل مرورًا بالقيادة الفعلية، وفق لهذه الرؤية فأن تعافي البلاد، يمر عبر الانصات إلى صوت النساء والشباب، اعطائهم فرصة للمشاركة في إعادة بناء الدولة على أساس المشاركة، والعدالة، والتمكين والتمثيل العادل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى