سياسة

السودان بين الرباعية والإخوان : صراع النفوذ ورهان السلام

كتب : النور ادم سلمان

تبدو الحرب السودانية اليوم جزءاً من مشهد إقليمي أوسع يُعاد فيه ترتيب النفوذ وتحديد مستقبل القوى السياسية التي شكّلت تاريخ البلاد خلال العقود الماضية، وفي قلب هذه العملية تقف الحركة الإسلامية، أو ما يُعرف محلياً بجماعة الإخوان المسلمين، كهدف مشترك تتقاطع حوله مصالح الرباعية: السعودية والإمارات ومصر والولايات المتحدة. وعلى الرغم من اختلاف أدوات كل طرف، إلا أن المسار العام يتجه نحو إنهاء الدور التاريخي للحركة في الدولة السودانية.

السعودية تتحرك بدور هادئ يظنه البعض حياداً، لكنه في حقيقته موقف محسوم ضد الإسلام السياسي. فبعد قطيعتها مع التنظيمات الإسلاموية، تتعامل الرياض مع السودان باعتباره ملفاً يحتاج إلى استقرار غير مؤدلج، وتدرك أن بقاء نفوذ الحركة الإسلامية داخل أجهزة الدولة والجيش يشكل تهديداً مستقبلياً لإعادة البناء. حيادها الظاهر يسمح للأطراف بأن تُنهك نفسها، بينما تحافظ هي على موقع الشريك الإقليمي الذي يملك القدرة على صياغة التسوية النهائية دون التورط المباشر.

الإمارات تتخذ مساراً أكثر وضوحاً وحدّة. دعمها لقوات الدعم السريع ليس مجرد اصطفاف عسكري، بل جزء من رؤية طويلة تهدف إلى كسر بنية الإسلام السياسي في المنطقة. ترى أبوظبي أن شبكات الحركة الإسلامية داخل الجيش السوداني تمثل امتداداً لنهج إقليمي عانى منه الخليج لعقود، ولذلك تسعى لفرض واقع يستحيل معه إعادة إنتاج التمكين أو السيطرة الأيديولوجية التي شكلت ملامح الدولة السودانية السابقة.

أما مصر، فهي تنظر إلى الحركة الإسلامية من زاوية أمن قومي بحت. بالنسبة للقاهرة، وجود جماعات الإخوان المسلمين على حدودها الجنوبية يمثل تهديداً استراتيجياً لا يمكن تجاهله. دعمها للجيش السوداني لا ينفصل عن معركتها الطويلة مع الإخوان في الداخل، وترى أن أي تسوية تتيح لهم العودة، ولو عبر تحالفات عسكرية أو سياسية غير مباشرة، ستفتح باباً لعدم الاستقرار في مصر والسودان معاً. لذلك تساند القاهرة الجيش باعتباره الطرف الأكثر قدرة على منع عودة التيار الإسلاموي.

في الجانب الأميركي، تبدو واشنطن لاعبة دور القاضي أكثر من دور الوسيط. الإدارة الأميركية تسعى إلى إنهاء الحرب لكن بشروط تضمن عدم عودة الإسلام السياسي إلى السلطة. تتحدث واشنطن بلغة دبلوماسية هادئة، لكنها تراقب بوضوح تآكل نفوذ الحركة الإسلامية داخل الجيش والمؤسسات، وتترك الصراع يستنزف مراكز قوتها تمهيداً لتسوية تُبنى على إعادة هيكلة الدولة بعيداً عن الإسلام الأيديولوجي. هذا الدور غير الصاخب يخفي موقفاً ثابتاً يرى في الحركة الإسلامية قوة يجب تحييدها لضمان الاستقرار الإقليمي.

المفارقة أن الحركة الإسلامية نفسها تُظهر ارتياحاً لمواقف بعض أطراف الرباعية، خصوصاً السعودية ومصر، وتميل للصمت تجاه الولايات المتحدة، دون إدراك أن هذه الأطراف تتقاطع عند نقطة واحدة: إغلاق صفحة الإسلام السياسي في السودان. فبينما تحتفل الجماعة بما تعتبره دعماً أو توازناً في مواقف هذه الدول، تتحرك الرباعية بوعي تام نحو إزاحتها من أي دور مستقبلي في الدولة، سواء عبر النتائج العسكرية للحرب، أو عبر التسوية السياسية المنتظرة.

المشهد يشير إلى نهاية مرحلة طويلة من النفوذ الإسلاموي في السودان. الحرب لا تبدو طريقاً لعودة الحركة الإسلامية، بل بوابة لإعادة تشكيل السلطة بطريقة تُقصيها عملياً من أي دور مركزي. وربما تكون الصورة الأكثر دقة أن القرار بشأن مستقبل الحركة لم يُتخذ داخل السودان، بل في العواصم التي تُدير خيوط الرباعية، بينما تجد الجماعة نفسها أمام لحظة لم تستعد لها، لحظة يُعاد فيها رسم المشهد من دونها وبلا ضجيج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى