مقالات

الاديب شقيفة : اختبار التاريخ… وشفاء الوطن

لم ننجح في اختبار الجغرافيا، نعم…
تبعثرت خرائطنا، وتكسّرت حدودُ الأمان تحت وقع الحرب، وامتدّت المسافات بين المدن كما لو أنها تبتعد عمداً منّا. صارت الطرقات شاهدة على تيهٍ طويل، وتحوّلت حقائب النازحين إلى خرائط بديلة، ترسمها الأقدام لا الأقلام، ويرسمها الألم لا المدرسون.
لكن…
التاريخ ليس مادة مدرسية تُحفظ، بل روح تمتحن الأمم حين تضعف، وتنهض بها حين تقرر أن تبدأ من جديد.
سننجح في اختبار التاريخ لأن الذاكرة السودانية لا تُهزم.
ولأن هذا الشعب، مهما انحنت قامته تحت ثقل المعاناة، ينهض كل مرة كمن اكتشف في دمه بذوراً من الصبر لا تنفد، وإصراراً لا يعرف التراجع. نحن أبناء أرضٍ خُلقت من الطمي، ومن عادة الطمي أنه كلما غمره الماء ظن الناس أنه اختفى، لكنه يعود ليصنع حياةً جديدة.
لقد فشلنا في الجغرافيا حين سمحنا للأرض أن تُقتطع من قلوبنا قبل خرائطنا،
وفشلنا حين صمتنا على جراح المدن،
وحين تركنا الريح تسرق ملامح القرى منّا.
لكن التاريخ، حين يفتح صفحاته، لا يسألنا: أين كنتم؟
بل يسأل: ماذا فعلتم بعد أن علمتم أين كنتم؟
والوطن…


الوطن يمرض، نعم، لكنه لا يموت.
قد يتعب، قد ينزف، قد يختنق تحت ركام الخوف، لكنه يحتفظ بنبضة خفية لا يسمعها إلا من أحبوه بصدق. نبضة تقول إن الفجر ليس بعيدًا، وإن الخراب مهما طال عمره، لا يستطيع أن يهزم جذور شعب…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى