مقالات

الهادي الشواف : حماية حقوق الطفل في اتفاقيات السلام السودانية اشارات خجولة.. وانتهاكات لا تتوقف

حماية حقوق الطفل في اتفاقيات السلام السودانية
اشارات خجولة.. وانتهاكات لا تتوقف
(1)
كتب : الهادي الشواف
مدخل:
انتهاكات حقوق الانسان ظلت السمة الملازمة للنزاع في السودان، وهي تعبر عن الطبيعة المتوحشة للحرب، وتعكس طريقة تفكير وثقافة وسلوك من يديرون الحرب، وظل صوت الرصاص يرتفع رافضا لنداءات اسكاته، لان النداءات المختلفة كانت تتعامل مع حجم المأساة بالتبسيط والسطحية، ولم تتعمق لمعرفة الاسباب والجذور العميقة للازمة، ومن ثم وضع معالجات جذرية، تقطع الطريق امام عودة طاحونة الحرب واشتعال الحريق من جديد.


والحروب في السودان لها جذور سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وبيئة، ولها وتتمظهر في عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتعاقبة وسيطرة نمط الحكم الشمولي الدكتاتوري لمعظم سنين حكم البلاد منذ ما قبل الاستقلال، وبالتالي الفشل في ادارة الموارد الضخمة والثروات المتعدة واستغلالها على الوجه الامثل، بالإضافة إلى ذلك التهميش وعدم العدالة في توزيع السلطة والثروة، وعدم القدرة على ادارة التنوع وانصاف الفئات المهمشة ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، فضلا عن دورات الجفاف والتصحر المتعاقبة، وغياب التخطيط السليم في ادارة المياه والاراضي الخصبة بطريقة توازن ما بين المسارات والمساحات المستغلة للزراعة وتلك التي تستخدم للرعي، مما يقلل من الصدام ما بين الزراع والرعاة. كل هذه وغيرها ادت إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتدهور في الحياة العامة وانتشار واسع لعمليات الفساد والمحسوبية، وتدمير للبنية التحتية، واهدار وتبديد للموارد والثروات، وعدم احترام القانون والافلات من العقاب.


هذه الحروب والنزاعات والصرعات المسلحة، خلفت واقع مأساوي في مناطق النزاع، من قتل وتشريد وتدمير وتفكيك للبنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، وتجسد الأثر الاكبر وبشكل مباشر على الأطفال، حيث كانوا وما زالوا من أكثر الفئات تضررًا وانتهاكا لحقوقهم، باعتبارهم الفيئة الاكثر ضعفا في المجتمع، خاصة في مناطق الجنوب سابقا ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. سواء من خلال القتل والاصابات والفقدان والتشريد، فضلا عن تعرضهم للعنف الجنسي والنفسي، اضف إلى ذلك جريمة تجنيد الأطفال قسريا والزج بهم في اتون الحرب، وحرمانهم من حياتهم الطبيعية واللعب، والحرمان من التعليم والرعاية الصحية والنفسية، ورغم توقيع عدة اتفاقيات سلام تجاوزت الخمسة اتفاقيات، الا أن تضمين حقوق الطفل بشكل مباشر وواضح ظل خجولا ومتفاوتًا وليس من ضمن اولويات التفاوض.


هذه الدراسة محاولة لملامسة وتحليل مدى تضمين حقوق الطفل في خمسة اتفاقيات رئيسية، تم توقيعها في فترات مختلفة على مدى دورات الصراع والنزاع المستمر في السودان منذ ما قبل الاستقلال، ورصد وتقييم فعاليتها في حماية حقوق الأطفال، مع تتبع اثرها وقدرتها وفعاليتها في حماية حقوق الاطفال ضحايا الحروب والنزاعات، مع تقديم توصيات لبناء سلام مستدام يراعي حقوق الاطفال وضمان حمايتهم من اثار الحروب والنزاعات.


تستند هذه الدراسة إلى اتفاقية حقوق الطفل الدولية لعام 1989م، والبروتوكولات الاختيارية المتعلقة بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، التي تُعرّف حقوق الطفل بأنها: “الحق في الحياة، التعليم، الحماية من العنف، عدم التمييز، والرعاية الصحية والنفسية”. كما يُستند على القانون الدولي الإنساني، خاصة اتفاقيات جنيف والبروتوكول الثاني الإضافي، باعتبارها المرجعيات الاساسية التي وضعت وشرعت لتوفير وضمان حماية لحقوق الطفل، وتقليل الانتهاكات التي تقع على الاطفال نتيجة للحروب والنزعات وحتى في زمن السلم.


اتفاقية حقوق الطفل 1989م:
تُعد اتفاقية حقوق الطفل للعام 1989م الوثيقة الدولية الأهم لحماية حقوق الأطفال، وهي تعتبر حجر الزاوية في التشريعات التي تأسس لحماية حقوق الطفولة عالميًا، وتُلزم الدول ببناء بيئة آمنة لضمان حياة أفضل ومستقبل زاهر للأطفال، وتركز بشكل اساسي على ضمان حقهم في الحياة، التعليم، الحماية، والمشاركة دون تمييز، وقد تم اعتمادها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر 1989م، وتُعد من أكثر الاتفاقيات الدولية التي تم التصديق والتوافق عليها من قبل دول العالم دون تردد أو مماطلة، استشعارًا لأهميتها في وضع أساس متين لحماية حقوق الاطفال في العالم.


وقد هدفت إلى ضمان حماية الحقوق لكل طفل دون استثناء، ولتحقيق ذلك نهضت على اربعة مبادئ أساسية اولها: (عدم التمييز) حيث نصت على “يجب أن يتمتع جميع الأطفال بحقوقهم بغض النظر عن الجنس، الدين، العرق، أو الوضع الاجتماعي”.

وثانيها: (مصلحة الطفل الفضلى) بأن “تُعطى الأولوية لمصلحة الطفل في جميع الإجراءات القانونية والإدارية. وثالثها: (الحق في الحياة والبقاء والنمو) تضمنت الاتفاقية حق الطفل في الحياة، والزام الدول باتخاذ التدابير اللازمة لضمان نموه الصحي والجسدي والعقلي. رابعها: (احترام آراء الطفل) حين اشارت إلى حق الطفل في ان يُمنح الحق في التعبير عن رأيه في الأمور التي تخصه، ويجب أن يُؤخذ رأيه بعين الاعتبار حسب عمره ونضجه.

هذا فضلا عن الحقوق التي تكفلها الاتفاقية للأطفال ومن أهمها: الحقوق المدنية والسياسية: مثل الحق في الاسم والجنسية، وحرية التعبير والمعتقد، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية: مثل الحق في التعليم، الصحة، والغذاء، والحقوق الثقافية: مثل الحق في المشاركة في الحياة الثقافية والفنية، وبالإضافة إلى حق الطفل في التمتع بالحماية من الاستغلال والعنف: بما في ذلك الحماية من العمل القسري، الاتجار، والإساءة الجسدية أو النفسية.


وقد نصت بوضوح في المادة (19)، علـى أنه” يجب أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر، أو الإساءة البدنية، أو العقلية، أو الاهمال، أو المعاملة المنطوية على اهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، سواء كان الطفل في رعاية الوالد أو الوصي القانوني، أو اي شخص يتعهد برعاية الطفل
والزمت الاتفاقية الدول الموقعة بالقيام ببعض التدابير والاجراءات لضمان تنفيذ الاتفاقية من أهما: تعديل التشريعات الوطنية لتتوافق مع الاتفاقية، وإنشاء مؤسسات لحماية الطفل ومراقبة ومتابعة تنفيذ الحقوق، بالإضافة إلى تقديم تقارير دورية للجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة.


وقد صادق السودان على الاتفاقية في عام 1990م، ولتأكيد التزامه بها أدخل بعض التعديلات القانونية لتعزيز حماية الطفل، مثل قانون الطفل لسنة 2010م، مع وجود مجلس لرعاية الطفولة، والسماح لعدد من المنظمات الدولية العاملة في مجال حماية الطفولة بعمل في السودان من خلال مكاتب ومقرات دائمة ومؤقتة حسب الحال، فضلا عن المنظمات والجمعيات والمبادرات الوطنية التي تنشط في ميدان العمل التطوعي الانساني خاصة في مجال حماية حقوق الأطفال، رغما عن ذلك، لا تزال هناك انتهاكات واسعة لحقوق الاطفال، مع وجود تحديات حقيقية في التطبيق العملي بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية وضعف آليات التنفيذ والمتابعة.


اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية 1949م، 1977م:
اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية 1949م، 1977م: تعتبر من المرجعيات الأساسية في القانون الدولي الإنساني الخاصة بحماية الاطفال في النزاعات المسلحة، وحظر استهدافهم أو استخدامهم في الاعمال العدائية، كما تنص على ضرورة توفير الرعاية الطبية والتعليم للأطفال في مناطق الحرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى