الهادي الشواف : حماية حقوق الطفل في اتفاقيات السلام السودانية اشارات خجولة.. وانتهاكات لا تتوقف – (2)

حماية حقوق الطفل في اتفاقيات السلام السودانية
اشارات خجولة.. وانتهاكات لا تتوقف
الهادي الشواف
سجل الانتهاكات لحقوق الاطفال:
يتعرض الاطفال في السودان إلى الانتهاكات المروعة نتيجة للحروب العبثية التي طال امدها، واستمرارها يعني مزيدا من الانتهاكات لحقوق الاطفال، وتقارير المنظمات الدولية والمحلية والحقوقية تعكس حجم المأساة بصورة جلية، وهنا نورد جزء يسير من ما اعلنته منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” عن تلقيها مزيداً من التقارير المثيرة للقلق حول أوضاع الأطفال في السودان في شهر سبتمبر ٢٠٢٣م، بما في ذلك تجنيد ٨ آلاف طفل في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
كما أوضحت الأرقام المتوفرة لدى “اليونيسيف” مقتل أكثر من ٤٣٤ طفلا وإصابة ما لا يقل ٢٠٢٥ آخرين خلال النزاع بين الطرفين، وذكرت المديرة التنفيذية “لليونيسيف” كاثرين راسل: “إن السودان ودارفور على وجه الخصوص أصبحت جحيما لا يطاق لملايين الأطفال، حيث يتم استهداف الآلاف منهم عرقيا ويتم قتلهم وجرحهم وإساءة معاملتهم واستغلالهم”، وفي هذا السياق طالبت كاثرين بإنهاء هذا الامر وذلك في ظل ارتفاع العدد المبلغ عنه حول الانتهاكات الجسيمة ضد حقوق الأطفال في دارفور بنسبة ٤٥٠٪ مقارنة بالعدد الكلي الذي تم التحقق منه في عام ٢٠٢٢م، ومنذ تلك الفترة وما قبلها وحتى الان يصعب رصد حجم الانتهاكات كما لا يمكن ايجاد احصائية حقيقة لعدد الضحايا من قتلى وجرحى ومفقودين ونازحين ولاجئين ومشردين، ولكن المؤكد هو ان ما يتعرض له الاطفال من انتهاكات فوق حد التصور.
كما ان هناك تقارير من منظمات اخرى تظهر انتهاكات جسيمة يتعرض لها الاطفال في السودان رغم الالتزامات الواردة في الاتفاقيات الدولية، مع دعوات عاجلة من هذه المنظمات لاتخاذ إجراءات لحماية الاطفال وضمان حقوقهم الأساسية، وأبرز ما ورد في التقارير الدولية حول تنفيذ حقوق الطفل في السودان ضمن سياق اتفاقيات السلام: تقرير لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل (مارس 2024م)، أصدرت اللجنة تقريرًا صارمًا عن الوضع في السودان بعد عام من النزاع المسلح بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، حين رصدت اشكال مختلفة من الانتهاكات التي وقعت على مدى فترة النزاع الحالي حيث تأثر أكثر من (24) مليون طفل بالنزاع، منهم (14) مليون طفل بحاجة ماسة للمساعدة الإنسانية (19) مليون طفل محرومون من التعليم و(4) ملايين طفل تم تهجيرهم قسرًا.
ووثّق التقرير انتهاكات واسعة النطاق تشمل القتل بدوافع عرقية والاغتصاب، بما في ذلك اغتصاب الأطفال والحرمان من المساعدات الإنسانية، مما ادي إلى تأثر أكثر من (3.7) مليون طفل بسوء التغذية الحاد حسب تقارير اليونيسف، منهم (730) ألف طفل في حالة حرجة أضف إلى ذلك انهيار الخدمات الصحية والطبية، مما ترك ثلثي السكان دون رعاية صحية.
وقد ادت هذه الظروف المعقدة إلى حدوث أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم، وهو عنوان يسلط الضوء على الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات حاسمة وصارمة، وقد اشارت التقارير بأن الوضع على الأرض لا يطاق، وتجاوز حدود الازمة إلى تخوم الكارثة، حيث يؤدي النقص الحاد في الغذاء والمياه النظيفة إلى تفاقم الوضع المحفوف بالمخاطر بالفعل.
الأطفال الجنود في السودان:
تشير المعلومات المتوافرة منذ اندلاع النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023م، إلى تجنيد آلاف الأطفال، بعضهم لا تتجاوز أعمارهم (14) عاماً، وأكدت بعض المصادر بان قوات الدعم السريع جندت الأطفال من المناطق الفقيرة، خاصة في دارفور وغرب كردفان، باستخدام الإكراه أو الإغراء بالمال والغذاء، والجيش السوداني نفسه تورط في تجنيد الأطفال، رغم تسليمه لاحقاً (30) طفلاً مجنداً للجنة الدولية للصليب الأحمر في سبتمبر 2023م، وتشير التقارير إلى ان الأطفال المجندون تعرضوا لانتهاكات جسدية ونفسية، وشهدوا أعمال قتل وعنف جنسي، مما ترك آثاراً نفسية معقدة سوف تبقى لفترة طويلة الأمد، ونجد أن الأطفال الجنود لا يزالون ضحايا للتجنيد القسري، مع جهود محدودة لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع، وعودتهم للمدارس.
اتفاقيات السلام وحقوق الطفل:
رغم أن الحروب في السودان خلفت انتهاكات جسيمة بحق الاطفال، كما اوردنا في السطور اعلاه، الا ان معظم اتفاقيات السلام السودانية المختلفة لم تولِ اهتماماً كافياً بحقوق الأطفال، رغم تأثير النزاع المباشر عليهم، وحتى التي تطرقت لها لم تتجاوز الاشارات الخجولة وبصورة غير مباشرة، مما لا شك فيه إن عملية بناء سلام مستدام تتطلب معالجة الأسباب الجذرية للنزاع، وجبر الضرر ومعاقبة مرتكبي الانتهاكات، وضمان حماية المدنيين وخاصة الأطفال قانونيًا وميدانيًا.
لقد شهد السودان منذ استقلاله التوقيع على عدة اتفاقيات سلام بهدف إنهاء النزاعات المسلحة التي أثرت بشكل مباشر على الأطفال، تحاول هذه الدراسة تحليل تفصيليًا لخمس اتفاقيات رئيسية وهي اتفاقية أديس أبابا (1972)، اتفاقية الخرطوم للسلام (1997)، اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل (2005)، اتفاقية ابوجا للسلام (2006)، واتفاقية جوبا للسلام (2020)، من حيث مدى تضمينها لحقوق الطفل، وآليات تنفيذها، وتأثيرها الفعلي على حماية الأطفال.
تُظهر الدراسة التحليلية الموسعة لاتفاقيات السلام السودانية أن حماية حقوق الطفل تطورت تدريجياً من الإهمال شبه الكامل في اتفاقية أديس أبابا 1972م إلى التناول الشامل والمفصل في اتفاقية جوبا 2020م، مع تفاوت في الالتزام وآليات التنفيذ عبر المراحل المختلفة، وهنا نحاول ان نرصد أبرز النقاط حول حقوق الأطفال في سياق اتفاقيات السلام السودانية.
اولًا: اتفاقية أديس أبابا للسلام عام 1972م:
وبتحليل واقعي حسب نصوص الاتفاقية نجد أنها وُقعت بين حكومة السودان وحركة تحرير جنوب السودان لإنهاء الحرب الأهلية الأولى، ونصت على الحكم الذاتي الإقليمي للجنوب، واحتوت على عدة ملاحق، منها: ملحق (أ): الحقوق الأساسية والحريات ملحق (ب): بنود الإيرادات واتفاقية وقف إطلاق النار وبروتوكولات الترتيبات القضائية والإدارية، ورغم أن الاتفاقية لم تذكر “حقوق الطفل” بشكل مباشر، إلا أن بعض البنود يمكن تُفسريها على أنها تشمل الأطفال، مثل الاشارة إلى الحقوق الأساسية والحريات (ملحق أ)، الذي نص على حماية الحق في الحياة، التعليم، الصحة، وعدم التمييز، نجد أن هذه الحقوق تشمل الأطفال ضمن الفئات المستفيدة، خاصة في سياق إعادة بناء الجنوب بعد الحرب، كذلك نجد ان بند وقف إطلاق النار وإعادة التوطين شمل ترتيبات لإعادة توطين المدنيين، بمن فيهم الأطفال، في بيئة آمنة، يُفهم منها التزام بحماية الأطفال من آثار الحرب، مثل التشريد والتجنيد القسري.
رغم عدم الاشارة وبشكل مباشر إلى خطة أو ترتيبات لإعادة التأهيل والدمج، كما ان البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للجنوب دعا إلى تطوير التعليم والخدمات الصحية، وهي من العناصر الأساسية في مبادئ حماية حقوق الطفل، لكن لم يُفصل كيف سيتم تنفيذ هذه البرامج للأطفال تحديدًا، لكنه يُعد خطوة نحو تحسين أوضاعهم.
في العموم الاتفاقية كانت متسقة مع سياقها التاريخي، اذ انه لم تكن اتفاقية حقوق الطفل الدولية قد أُقرت والمعلوم انها اقرت بعد عام 1989م، لذا لم تكن مرجعية آن ذاك، لهذا لم تتضمن اتفاقية اديس ابابا نصوصًا صريحة حول حقوق الطفل، لكنها أشارت ضمنيًا إلى حماية الحقوق الأساسية لجميع المواطنين، بما فيهم الأطفال، من خلال ملحق الحقوق والحريات، لكنها افتقرت إلى التحديد الدقيق لحقوق الفئات الهشة مثل الأطفال، كما انها لم تتضمن آليات رقابة أو تنفيذ خاصة بحقوق الطفل.
الخلاصة رغم غياب النصوص الصريحة، فإن اتفاقية أديس أبابا وفّرت إطارًا عامًا يمكن أن يُفسر بأنه يشمل حقوق الأطفال، خاصة في التعليم والحماية من النزاع. لكنها لم تُعالج بشكل مباشر قضايا مثل تجنيد الأطفال، الدعم النفسي، أو العدالة الانتقالية للأطفال المتأثرين بالحرب.
ثانيًا: اتفاقية الخرطوم 1997م:
وُقعت في أبريل 1997م بين حكومة السودان وبعض الفصائل الجنوبية المنشقة عن الحركة الشعبية لتحرير السودان، هدفت بشكل أساسي إلى إنهاء الحرب الأهلية الثانية، واحتوت على بنود متعلق بعملية وقف إطلاق النار وتقاسم السلطة والثروة والترتيبات الأمنية والتنموية والاعتراف بحق تقرير المصير للجنوب.
اما بالنسبة لحقوق الطفل في الاتفاقية، فأن الاتفاقية لم تتضمن نصوصًا صريحة حول “حقوق الطفل”، مثل سابقتها، إلا أننا يمكن أن نفسر بعض البنود على أنها تشمل الأطفال ضمن الفئات المستفيدة، حيث دعت الاتفاقية إلى تعزيز التنمية في الجنوب بما في ذلك التعليم، يُفهم من ذلك انه يشمل الأطفال، خاصة في المناطق المتأثرة بالنزاع، لكن دون تخصيص برامج أو ضمانات واضحة لهم، توفير بيئة أكثر أمنًا للأطفال من خلال وقف إطلاق النار، وتقليل من خطر التجنيد القسري والتشريد، ولم تتضمن بنودًا لحظر تجنيد الأطفال أو إعادة تأهيلهم، وقد نصت الاتفاقية على المساواة بين المواطنين دون تمييز، هذا يشمل الأطفال في الوصول إلى الخدمات الأساسية، لكن دون آليات تنفيذ أو حماية خاصة.
وبشكل عام نجد ان الاتفاقية كانت محاولة جزئية للسلام، لكنها لم تشمل الحركة الشعبية، ما حدّ من فعاليتها، ولم تتضمن آليات تنفيذ أو رقابة خاصة بحقوق الطفل، كما انها لم تُعالج قضايا مهمة مثل التجنيد القسري للأطفال مع توفير الدعم النفسي للأطفال المتأثرين بالحرب، في كل الاحوال فان اتفاقية الخرطوم للسلام 1997م وفّرت إطارًا عامًا للحقوق، يمكن أن يُفسر بأنه يشمل الأطفال، لكنها لم تُعالج بشكل مباشر أو تفصيلي حقوق الطفل، وقد أظهرت التجربة أن غياب النصوص الصريحة والآليات التنفيذية أدى إلى استمرار الانتهاكات ضد الأطفال خاصة في مناطق النزاع.
ثالثًا:ا تفاقية نيفاشا للسلام الشامل 2005م:
أُبرمت بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، وأنهت الحرب الأهلية الثانية التي استمرت (21) عامًا، تضمنت ستة بروتوكولات رئيسية أهمها تقاسم السلطة وتقاسم الثروة عبر تخصيص موارد لتنمية المناطق المتأثرة بالنزاع، بما يشمل التعليم والصحة، يُفهم من هذا البند بشكل غير مباشر أن الأطفال ضمن الفئات المستهدفة بهذه الخدمات خاصة في الجنوب، وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية، ساهم في تقليل خطر التجنيد القسري للأطفال، رغم عدم تضمين آليات واضحة لحظر تجنيد الأطفال أو إعادة تأهيلهم، والجديد في هذه الاتفاقيا هو أن هناك بروتوكولات خاصة بجنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي، تمثلت في المشورة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق، هذه البروتوكولات فتحت المجال لمشاركة المجتمعات المحلية في تحديد مستقبلهم، لكن دون إشراك الأطفال أو تخصيص بنود لهم.
نعم بنود الاتفاق لم تتضمن نصوصًا مباشرة حول حقوق الطفل، لكنها أنتجت دستورًا انتقاليًا يحتوي على وثيقة الحقوق التي شملت الحق في الحياة والكرامة الإنسانية وحماية الفئات الضعيفة بما فيهم الأطفال، حيث نص الدستور على الحق في التعليم والرعاية الصحية، واعتبر الاتفاقيات الدولية جزءًا من القانون الوطني، بما فيها اتفاقية حقوق الطفل، لم تحدد الاتفاقية برامج خاصة بالأطفال المجندين أو المتأثرين بالنزاع، في النهاية أدت هذه الاتفاقية إلى انفصال الجنوب عام 2011م، وبالتالي لم تحقق أي مردود فعلى على حالة حقوق الاطفال.
رابعًا: اتفاقية أبوجا للسلام 2006م:
تم توقيعها في 5 مايو 2006م بين حكومة السودان وفصيل من حركة تحرير السودان (مني اركو مناوي) بهدف إنهاء النزاع في دارفور، لكنها لم تحظَ بإجماع الفصائل المسلحة الأخرى، الاسم الرسمي (اتفاقية سلام دارفور 2006م)، وتُعرف باسم اتفاقية أبوجا نسبةً إلى العاصمة النيجيرية التي استضافت المفاوضات، وتتمثل أهم بنود الاتفاقية الرئيسية هي تقاسم السلطة بمنح تمثيل سياسي لفصيل (مني مناوي) في الحكومة المركزية وحكومة ولاية دارفور، والالتزام بنزع سلاح ميليشيا الجنجويد والمجموعات المسلحة الأخرى، ودمج مقاتلي الحركات المسلحة في الجيش والشرطة السودانية، وتقاسم الثروة بإنشاء نظام لتوزيع للثروة بشكل عادل بين المركز والإقليم، أضف إلى ذلك تحديد وضع الإقليم الإداري مستقبلاً عبر استفتاء شعبي، مع تسهيل وصول المساعدات وتحسين الأوضاع الإنسانية في دارفور.
الاتفاقية لم تخصص فصلاً مستقلاً لحماية حقوق الطفل، لكنها تضمنت بنودًا غير مباشرة تسهم في تحسين أوضاع الأطفال من خلال وقف النزاع وتحسين الظروف الإنسانية، وتؤثر بشكل مباشر على حياة الأطفال في دارفور، مثل وقف الأعمال العدائية يهدف إلى إنهاء القتال الذي تسبب في مقتل وتشريد آلاف الأطفال، مما يساهم في توفير بيئة أكثر أمانًا لهم، ونزع سلاح المليشيات يقلل من وجود السلاح في المجتمعات ويحد من تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة، وتضمنت بنودًا لتسهيل وصول المساعدات، بما في ذلك الغذاء والرعاية الصحية والتعليم، وهي خدمات حيوية للأطفال، وعودة النازحين واللاجئين نجد ان كثير من الأطفال كانوا ضحايا للنزوح، والاتفاقية شجعت على عودتهم إلى مناطقهم الأصلية مع توفير الحماية والدعم.
ابرز نقاط ضعف اتفاقية ابوجا هي غياب نصوص واضحة تتضمن إشارات مباشرة إلى اتفاقية حقوق الطفل الدولية أو آليات لحماية الأطفال من الانتهاكات، ورغم توقيع الاتفاق، استمرت الانتهاكات والهجمات والنزوح، مما يعني أن الأطفال ظلوا عرضة للخطر، وايضا يجب الاشارة إلى أن الاتفاقية لم تكن شاملة، حيث رفضت معظم الفصائل المسلحة التوقيع عليها، مما أضعف تطبيق بنودها على الأرض، بما في ذلك تلك التي تؤثر على حقوق الأطفال.
خامسا: اتفاقية جوبا للسلام (2020م)
وُقعت في أكتوبر 2020م بين الحكومة الانتقالية السودانية وعدة حركات مسلحة (الجبهة الثورية، حركة تحرير السودان، الحركة الشعبية شمال.. الخ)، هدفت بشكل اساسي إلى إنهاء النزاعات في دارفور، جنوب كردفان، النيل الأزرق، وشرق السودان. تعد من الاتفاقيات الأكثر شمولًا مقارنة بالاتفاقيات السابقة من حيث تناول القضايا الاجتماعية والإنسانية.
وبالنظر إلى النصوص التي وردت في اتفاقية جوبا للسلام يجد انها مثلت نقلة نوعية في تضمينها لحقوق الطفل بشكل مباشر لكنه خجول، واءا ما قارناها بالاتفاقيات السابقة مثل نيفاشا والخرطوم للسلام التي لم تول اهتاما واضحا بتضمين حقوق الطفل، وبالتالي اهملت اهم ملف ممكن ان يسهم في ايجاد علاج لجذور الصراع، مما أدى إلى استمرار الانتهاكات ضد الأطفال، ولكن نجد ان اتفاقية جوبا للسلام احدثت نقلة طفيفة في هذا الجانب، هذا ربما لتأثير المناخ العام التي وقعت فيه الذي يحتشد بشعارات الثورة من حرية وسلام وعدالة، وغيرها من الشعارات التي تتشرف نظرة جديدة لمستقبل البلاد، لهذا نجد أن الاتفاقية تضمنت بنودًا صريحة لحماية حقوق الاطفال، لكن لم ترتقي لمرحلة تضمين بروتوكول خاص بهم، ومن ابرز ما اشارت له الاتفاقية هو حظر تجنيد الأطفال دون سن (18) عامًا، والالتزام بإعادة دمجهم في المجتمع عبر برامج تأهيلية، كما أكدت الاتفاقية على حق الأطفال في التعليم المجاني والجيد، خاصة في المناطق المتأثرة بالنزاع، ودعت إلى إعادة تأهيل المدارس وتوفير بيئة تعليمية آمنة، مع وضع برامج دعم نفسي واجتماعي للأطفال المتأثرين بالحرب، بالإضافة إلى إدماج الأطفال في العدالة الانتقالية عبر توثيق الانتهاكات وجبر الضرر، عطفا على إعادة توطين الأطفال النازحين وضمان حصولهم على الخدمات الأساسية، ورغم شمول الاتفاقية واشاراتها المباشرة لحقوق الاطفال، الا انها واجهت تحديات كبيرة في التنفيذ بسبب الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021م واندلاع حرب ابريل 2023م بين الجيش والدعم السريع، اضف إلى ذلك هناك تحديات بنيوية، حالت ما بين انزال بنود الاتفاقية الى ارض الواقع في الفترة الانتقالية على قصر فترتها، منها ضعف البنية التحتية في مناطق النزاع، ونقص التمويل لبرامج إعادة التأهيل، والحاجة الملحة لتدريب الكوادر المحلية على التعامل مع الأطفال المتأثرين بالحرب، إضافة إلى غياب آليات رقابة مستقلة ومشاركة مجتمعية واسعة وفعالة.
بعد تحليل السياق السوداني وتأثير النزاع على حقوق الأطفال، واستعراض الاتفاقيات الخمس التي أبرمتها الدولة السودانية، ومقارنتها من حيث مدى تضمينها لحقوق الطفل، نخلص لمجموعة من التوصيات العملية والتشريعية التي تهدف إلى تعزيز حماية الأطفال في سياق بناء السلام، ونختتم بخلاصة عامة لأبرز نتائج الدراسة.
اولا: على مستوى السياسات الوطنية:
- تضمين حقوق الطفل بشكل صريح ومفصل في أي اتفاق سلام مستقبلي عبر ادراج فصل كاملا عن حقوق الاطفال يتضمن كافة حقوقهم مع تفاصيل عملية لمعالجة اوضاعهم واعادة ادماجهم.
- إنشاء وحدة وطنية مستقلة تُعنى برصد وتوثيق الانتهاكات ضد الأطفال في النزاعات المسلحة.
- تطوير استراتيجية وطنية لإعادة دمج الأطفال المجندين، تشمل الدعم النفسي والاجتماعي والتعليمي.
ـ تطوير آليات تنفيذ واضحة في الاتفاقيات المستقبلية تشمل مؤشرات أداء لحماية الأطفال. - تعزيز التنسيق بين الوزارات المعنية (العدل، التعليم، الصحة، التنمية الاجتماعية) لضمان حماية شاملة للأطفال.
ثانيا: على مستوى التشريعات والقوانين:
- مواءمة القوانين الوطنية مع اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولات الملحقة بها.
- تطوير تجريم تجنيد الأطفال في القانون الجنائي السوداني، وتحديد عقوبات واضحة، وتفعيل القوانين الموجودة مع وضع آليات تنفيذ ومتابعة.
- إصدار تشريعات خاصة بحماية الأطفال في مناطق النزاع والنزوح.
ثالثا: على مستوى المجتمع المدني والمنظمات الدولية:
- دعم منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حماية الطفل، وتوفير التمويل اللازم لبرامجها.
- تعزيز دور اليونيسف والمنظمات الدولية في مراقبة تنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بالأطفال.
- إشراك الأطفال أنفسهم في صياغة السياسات والبرامج التي تخصهم، وفقًا لمبدأ المشاركة الواردة في اتفاقية حقوق الطفل
رابعا: على مستوى العدالة الانتقالية:
- إدماج الأطفال في برامج العدالة الانتقالية، سواء كضحايا أو شهود أو مستفيدين من جبر الضرر.
- إنشاء آليات لتوثيق الانتهاكات التي تعرض لها الأطفال خلال النزاع، وضمان عدم الإفلات من العقاب.
- توفير تعويضات رمزية ومعنوية للأطفال المتأثرين، تشمل التعليم، الرعاية، والدعم النفسي.
الخاتمة:
كما اوضحت هذه الدراسة أن حقوق الطفل لم تحظَ بالاهتمام الكافي في معظم اتفاقيات السلام السودانية، باستثناء اتفاقية جوبا التي تضمنت بنودًا صريحة لحمايتهم، وقد كشفت المقارنة أن غياب النصوص الواضحة، وضعف آليات التنفيذ والمتابعة، وعدم إشراك الأطفال في عمليات بناء السلام، ساهم في استمرار انتهاكات حقوق الاطفال، لهذا من أهم التوصيات هي ان يهتم مهندسوا اتفاق وقف الحرب الدائرة الان بملف حقوق الاطفال، وتضمينه بشكل يخاطب طبيعة وضع الاطفال في البلاد في ظل الحرب، مع استشراف مستقبل آمن وزاهر لهم، يراعي حقوقهم ويرسم لهم خطوات تعزز دورهم في المستقبل.
المراجع:
ـ UNICEF – اتفاقية حقوق الطفل ـ مجلة المنارة – قراءة في الاتفاقية الدولية للطفل
ـ الجزيرة نت – اتفاقية حقوق الطفل 1989م
- أبو شوك، أ. إ. (2022م). اتفاقيات السلام السودانية (1972م – 2020م). المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
ـ نصوص اتفاقيات السلام: اديس ابابا 1972م ـ الخرطوم 1997م ـ نيفاشا 2005م ـ ابوجا 2006م. - وزارة العدل السودانية. (2020). اتفاق جوبا للسلام.
ـ الشواف، الهادي: بحث عن (حماية حقوق الطفل) – جامعة السودان المفتوحة – كلية القانون 2017م.




