مقالات

مجاهد عبدالله الفاطرابي يكتب : وداعا يا عوض… يا وجه الوفاء وأخلاق الكبار..

بقلوب (مكسورة) من الحزن وعيون مبللة بالدموع نودّعك يا عوض بابكر .. غادرتنا في صمت كما كنت دائما تفعل كل شيء بصمت.. لكن رحيلك المر اليوم ترك فينا جرحا لن يندمل وفراغا لا يُملأ.

رحلت في صباح حزين.. بدا كأن الضوء فيه قد انطفأ وكأن نهر النيل وقف لحظة ليودّعك… أنت الذي كنت تمشي بمحاذاته.. حاملاً في قلبك صفاءه وفي روحك هدوءه وفي سلوكك انسيابه.

لم تكن مجرّد سكرتير أو موظف في مكتب الراحل الشيخ الدكتور حسن الترابي، بل كنت أقرب الناس إليه وأوفاهم له.. كنت ذاكرته التي تحفظ وصوته حين يسكت..! وظلّه حين تشتدّ العواصف..!.. كنت رجل ثقة وصاحب عقل راجح وضمير حي يحرك جسدك النحيل.

عرفتك منذ سنوات فوجدتك كما أنت دائما صادقا، ودودا، بسيطا، متواضعا.. لم أطلب لقاء مع الشيخ الترابي إلا وكنت تستجيب لي دون تردد وبكل احترام.. لم تكن تحب التعقيد ولم تعرف طريقا للكبر أو الاستعلاء.. كنت تسهّل اللقاءات للصحفيين وتفتح الأبواب لهم لمقابلة زعيم الحركة الاسلامية لانك تؤمن بأن ذلك من شأنه التأثير على الفضاء العام ايجابا وليس سلبا..!.

أحبّك كل من عرفك.. في الإعلام والصحافة، لأنك لم تغلق بابك في وجه أحد ولم تردّ سائلا قط.. كنت دائم البشاشة، رحب الصدر، تستقبل الناس بكلمة طيبة وأدب جمّ وتُشعر كل من يقصدك بأنه محلّ احترام وتقدير.

في زمن ندر فيه الوفاء، كنت مثالا له.. وفي وقتٍ كثر فيه الكلام، كنت تحفظ الأسرار وتصونها.. كنت تعرف التفاصيل الدقيقة وتعيش في قلب الحدث.. لكنك لم تتباهَ يوما ولم تُفشِ سرا ولم تَستغلّ مكانتك..!. كنت تعمل بصمت، لا تنتظر شكرا ولا ثناء.. نراك تسهر في بيت الراحل الترابي الساعات الاولى من الصباح .. ثم تعود إلى منزلك قليلا، لتستأنف عملك مع أول ضوء في الصباح كأنك لا تعرف التعب، فلا تترك مساحة للتكاسل.. أيُّ إخلاص هذا؟! وأيُّ معدن من الرجال كنت؟.

لقد خسرك الوسط السياسي وخسرتك الصحافة وخسرك تاريخٌ كنت شاهدا صادقا عليه.. دون أن تكتب عنه.. رحلت باكرا دون أن تقول كل ما تعرف ودون أن تُدوّن ما رأيت.

لم تكن يا عوض مجرّد سكرتير للراحل الترابي، بل كنت رفيقه الأقرب في كل الرحلات ومرافقه في كل المحطات.. داخل البلاد وخارجها.. كنت ترتّب تفاصيل تلك الرحلات بدقّة لا يشوبها خلل وتنسّق البرامج واللقاءات بعناية فائقة واحترافية نادرة.

كنت تشرف على جدوله اليومي تنسّق مواعيده تتابع زياراته، ترتّب لقاءاته مع قيادات الحزب ومع قواعده في مختلف الأمانات والولايات وكنت في ذات الوقت همزة وصل بينه وبين قادة الأحزاب الأخرى، بمختلف أطيافها حريصا في ذلك على بناء الجسور.. كنت أيضا صلة وصل رفيعة بين الدكتور الترابي وبين رؤساء دول ومسؤولين كبار في المنظمات الاقليمية والدولية..كنت في الحقيقة تدير شبكة العلاقات مع الجميع بمستوى عالي من المهنية والدقة.

كنت ايها الراحل وجها غير معلن للدبلوماسية السياسية، تعمل في الظلّ وتبني في العمق وتنجز دون أن ترفع صوتك أو تطلب تقديرا من احد.. كنت اخي نموذجا فريدا في التنظيم وفي حسن الترتيب.

لن ننساك ياعوض.. سيبقى طيفك بيننا وصوتك الهاديء في ذاكرتنا وخلقك النبيل سيظل درسا لا يمحى .

اللهم إن عبدك عوض بابكر احمد نوح كان من الصادقين، المخلصين، الأمينين، المحسنين في كل ما أوكل إليه.. فاجعل قبره روضة من رياض الجنة واجزه عن وفائه وعطائه خير الجزاء وارفع درجته في عليّين واجعل له جوارا مع من أحبّ من عبادك الصالحين.. اللهم آمين يارب العالمين.. إنا لله وإنا إليه راجعون.ولا حول ولا قوة إلا بالله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى