عصام إبراهيم .. الحصار الإنساني في كردفان ودارفور… اختبار حقيقي لشرعية الدولة الانتقالية

◾الحصار الإنساني في كردفان ودارفور… اختبار حقيقي لشرعية الدولة الانتقالية◾
✍️ بقلم: عصام إبراهيم
تمرّ البلاد في واحدة من أكثر لحظاتها التاريخية قسوة، إذ تعيش مناطق واسعة في كردفان ودارفور تحت حصار خانق تفرضه مليشيات الدعم السريع، ما أدى إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث. عشرات الآلاف من المدنيين يواجهون اليوم المجاعة والعطش والمرض، بينما تُقصف المدن والقرى بشكل متكرر، في ظل غياب شبه كامل لأي استجابة رسمية فعّالة.
من المؤسف أن الدولة الانتقالية، برئاستها المتمثلة في الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وأعضاء مجلس السيادة، ورئيس الوزراء الانتقالي الدكتور كامل إدريس، تبدو وكأنها تراقب هذا المشهد بصمتٍ باردٍ، وكأن المأساة لا تعنيها مباشرة. فالمسؤولية الوطنية والأخلاقية تفرض على الحكومة أن تكون في مقدمة الصفوف، وأن تتحرك عاجلًا لفك الحصار وتأمين الممرات الإنسانية، لا أن تكتفي بالبيانات والتصريحات الدبلوماسية التي لا تُغني جائعًا ولا تُنقذ محاصرًا.
إن ما يحدث اليوم في كردفان ودارفور ليس مجرد أزمة إنسانية، بل هو امتحان سياسي وأخلاقي لمفهوم الدولة نفسها. الدولة ليست سلطة جالسة في المكاتب أو تمارس الترف السياسي، بل هي مسؤولية مباشرة عن حياة الناس وحفظ كرامتهم. حين يُترك المواطن السوداني ليأكل أوراق الأشجار وعلف الحيوانات، فهذا يعني أن الشرعية السياسية والأخلاقية للحكم أصبحت موضع تساؤل حقيقي.
في المقابل، يعيش جزء من النخبة في العاصمة انفصالًا مأساويًا عن واقع الهامش، حيث تُقام الاحتفالات واللقاءات الاجتماعية في وقتٍ تُدفن فيه الأسر في الأطراف تحت الأنقاض والجوع. هذا التناقض لا يعكس فقط غياب العدالة، بل يكشف أيضًا عن خللٍ عميقٍ في الوعي الوطني والنخبوي.
إن السودان في حاجة اليوم إلى موقف دولة لا إلى تبريرات سلطة، وإلى رؤية استراتيجية تُعلي من قيمة الإنسان قبل الجغرافيا. ففكّ الحصار عن المدن المنكوبة يجب أن يكون أولوية وطنية عاجلة، ليس فقط لحماية المدنيين، بل لإنقاذ ما تبقى من هيبة الدولة ومعناها.
فالتاريخ لا يرحم من يتخاذل، والشعوب لا تنسى من صمت حين كانت تنادي بالنجدة.